يوميّات مبعثرة
يوميّات مبعثرة
تحوّلت قضيّتنا العامة إلى يوميّات مساجين تعفّنوا لسنوات في سجن مزمن.
شيء محزن
(السوريون في الدول العربية)
لم يتعرَّض السوريون إلى إهانات مثل الإهانات المستمرّة في الدول العربيَّة. عنصريَّة وطبقية ضد السوريين في لبنان، في الإعلام المرئي والمكتوب وتويتر جبران باسيل، وتمرجل للجيش اللبناني (وهو جيشٌ يحميه اللبنانيون، وليس العكس) على السوريين، أو أي مليشيا أهلية أو عائليّة أو طائفية تريد أن تجرّب نفسها، وإهانات مباشرة على شكل لافتات عنصرية جارحة. في مصر، تم إخراج كل السوريين بعد ما استلم السيسي الحكم، والحصول على فيزا للسوريين إلى مصر هو ضرب من ضروب الخيال. في الأردن تعامل كارثي مهين وأمني ومخابراتي مع السوريين، وحجز الموجودين في مخيّمات هي عبارة عن مراكز اعتقال جماعيَّة. في دول الخليج رقابة مستمرة، وقبول نوعي وخاص جدًا للسوريين، في الإمارات مثلاً، يتم طرد أي سوري يشتبه بأنّ لديه ميلاً إلى تنظيم الإخوان المسلمين، أصلاً كم سوري لاجئ موجود في الخليج؟ إضافة إلى تويتر ضاحي خلفان. في المغرب والجزائر تمّ طرد السوريين اللاجئين وحتّى الآن يوجد قسم عالق في الصحراء في العراء. تبقى أوضاع السوريين في الغرب، ألمانيا والسويد، أفضل بما لا يقاس، أقل شيء لا يوجد عنف جسدي مباشر، ويوجد قانون يعاقب على العنصرية.
كنتُ أشاركُ صفّ اللغة الألمانيَّة شابّاً أفريقيّاً أسود البشرة، اسمه أحمد، إذْ كان يدرسُ اللغة كي يدخل إلى قسم الهندسة المعلوماتيَّة في الجامعة. طلب منّا الأستاذ أن يكتب كل طالب نصّاً عن حياته الجديدة في برلين. كتبَ أحمد نصّاً عن معاناته كأفريقي أسود البشرة في الغرب. ولأنّ غالبيَّة تجار الحشيش ونبتة الماريوانا، في حدائق برلين، هم أفارقة سود البشرة، فإنَّ حياته قد تحوَّلت إلى جحيم حقيقي نتيجة هذا الأمر. إذْ تلاشت صورة الإنسان الأفريقي العادي، والذي ليس بالضرورة أن يكون تاجر مخدّرات، واختُصِر تماماً في أذهان الناس بهيئة بائع الحشيش. كتبَ بأنّه يتعرّض لأسئلة في محطات القطارات والبارات والشوارع أحيانًا عن أسعار الحشيش، ونوعيّة النبتة التي يمتلكها. وأقْسَم بأنّه لا يذهب إلى أي حديقة عامة في برلين، ويعتذر بخجل من أصدقائه عندما يدعونه إلى الخروج في الصيف إلى الحدائق، لأنّه يتعرَّض لنفس الموقف المهين. سُجِن الشاب تماماً في مخيّلة الناس. وسَجنَ نفسه في بيته، كي يتحرَّر من سجن مخيّلتهم. قال إنَّه كان يرقص، مرَّة، في "كلوب" في برلين في إحدى الليالي، وحاول التقرّب إلى فتاة كي يكلّمها، فرّدت عليه بأنّ لديها حشيشا وهي لا تريد أبدا، وشكرته بكلّ لطف.
تحيّة لأحمد الذي لم أره من بعدها أينما كان.