إن أردتَ أن تكون مثقفاً.. فاتبع السهم
إن أردتَ أن تكون مثقفاً.. فاتبع السهم
على المثقف العربي، يا دام عزّكَ، أن يجد له منفىً يعصمه من محاولات الاعتقال، كما أنه مجبر على تناول الكثير من المهدئات تحسباً من نوبات الفزع والهذيان التي قد تسببها له دوريات الأمن، أو سيارات نوافذها سوداء، ولأصحابها نفوذ إلهي إلى حد ما.
ثم عليه أن يعتنق قضية ما يلوح بلوائها يميناً وشمالاً و"يصرع" أدمغتنا بشعاراتها، وعلى هذه القضية أن تكون قوية متينة وعصية على الشباب الملاعين الذين ينكشون الأسئلة من أدمغة لا تحترم مسيرته النضالية!، مثقفنا قد يغير وجه العالم، وقد يتبعه آلاف الـ"فانزات"، فأنصحه أن يكون أكثر إلهاماً وأكثر حداثة، فإن كان يمينياً فليلتزم بالتطرف التصفيقي، وأن كان يسارياً فليشكل مجلساً في دول الجوار.. بسيطة!
وإن تساءلت سيدي المثقف عن معنى التطرف التصفيقي، فهو مذهب قد اختلقته للتو من وحي مفكرين عظماء امتهنوا التصفيق كمصدر معيشة بجانب هواياتهم في التفكير.
إن وجدتَ أنك قليل الجماهيرية وتفتقر إلى الشهرة فما عليكَ إلا أن تطعن بشخصية تاريخية، لديك آلاف الأيقونات التاريخية في شتى المجالات، أختر واحدة ثقيلة وابدأ بتحليل شخصيتها من منطلق حرية الرأي، وستشتعل الدنيا باسمك، وكأنك قد فزت ببرنامج آراب آيدل.. بل أكثر مجداً.
سيراهن على فكرك الآلاف من الشباب الثائر، وسيتكلمون بما تلقنهم إياه عبر كتبك ومحاضراتك ومقالاتك، فلا تخذلهم كما فعل زملاؤك حين دفعوهم إلى قتل إخوتهم بحجة أن الحرية خيانة، وآخرون من أبناء مهنتك رأوا أن استعجال الاحتلال هو الحل الوحيد لبلادهم.. بل صاروا يحسبونه الإنقاذ الإلهي من طغيان الشيطان.
إن أردتَ الميل إلى الدين تارة فلا تفعل كمن رحب بأسلمة الثورات لاستقطاب أغلبية الشعب، ولا تجعل من العلمانية لقمة رائحتها الإلحاد، وطعمها الذود عن طائفة تشكل الأقلية. ولا تكن كبرنارد هنري ليفي الذي صلى من أجل خراب ليبيا أكثر مما فعل رودولفو غراتسياني.
إن أعجبتك روسيا، فعليك أن تتأكد من عدائها لأميركا، وإن أعجبتك تركيا، فلن ترضى عنك ألمانيا، وإن تعاطفتَ مع الثوار، فأي منهم تقصد بالضبط؟ وإن كانت للحكومة الحالية فيكَ مرجع، فعليك أن تلتحق بالفيلق الخامس اقتحام!
أرأيتَ يا عزيزي؟ أنت مُفكِّر، أنت ذو قيمة في مجتمعك وعليك أن تنهض به إلى ما هو أكثر حضارة، وهذه الكلمة التي قد يتفق عليها كل الأطراف، حتى ولو لم يكترثوا بها كذاك الإقطاعي الأشقر الذي انسحب من اتفاقية لحماية مناخ الكوكب، وكأنه كوكب الذي خلفه.
عليكَ أن تكون وساماً على صدر من يؤمن بكلماتك، وفخراً لمواطنك، وكتابك هو دستور لأكبر شريحة ممكنة من العقلاء، ولن تسقط قضيتكَ أن بقيت أنت أول من يؤمن بها، ولن ينحدر فكركَ أذا أبقيت عليه مصوناً من الخيانة والتخاذل، ولن تخسر معركة سلاحها الكلمة في وجه من لا يفقه علم الحرف.