بيضة الملك المعظم

مع صياح ديك أم هدّال، انطلق بعض المهتمين بمستقبل المملكة ليطمئنوا إلى أداء ملكهم في تلك الليلة، وليفرحوا بقدوم الوريث الذي سيحمي أمجادها ويتابع مسيرة والده المفدى.

لم يصدر عن الملك المعظم أي تصريح أو إشارة تمنحهم الطمأنينة وراحة البال. خصوصاً أن أجواء القصر كانت مشحونة بجو يشي بعدم الراحة نتيجة الهمهمات والأحاديث الجانبية غير المفهومة عن شيء خطير حصل الليلة يهدد مستقبل المملكة واستمرارها.

الملك في اجتماع مغلق مع طبيبه الخاص القندريس بن الشلولخ، والحاشية تنتظر في الخارج نتائج ذلك الاجتماع. ولا أحد يجرؤ على البوح بما يحصل.

خرج الطبيب من دون أن يتحدث مع أحد، بعد أن طمأن الملك بأن مشكلته بسيطة جداً وأن دواء حالته متوفر عنده.

رغم الحرص الشديد من قبل الحاشية، انتشرت الأحاديث في أزقة المملكة عن مرض الملك، وأنه غير قادر على القيام بمهامه كرجل في فراش الزوجية. وبدأت السخرية تنتقل بين الرعية، مما جعل الملك يصدر أمراً بمنع الوقوف في الطرقات والأزقة لأكثر من شخص واحد. لكن من دون جدوى، فوسائل التواصل الاجتماعي كانت كفيلة بنشر الخبر. فأصدر أمراً: "بقطع الاتصالات الأرضية والفضائية وغيرها إن وجدت، وملاحقة المتربّصين والمتشفّين ومعاقبتهم بالسجن أو القتل". 

بينما كان الملك وحيداً يفكر في استصدار قرار يقضي بخصاء جميع رجال المملكة، حتى يصبحوا مثله، دخل الطبيب القندريس عليه شاحب الوجه، بعد أن فشلت جميع محاولاته في البحث عن علاج يساعده في الشفاء. اقتربَ قليلاً من الملك، ثم قال: "يا سيدي استنفذت جميع الفرص والحلول في الوصول إلى العلاج. ولكن بقيت أمامي فرصة أخيرة ربما تكون هي الحل الوحيد". تغيرت ملامح الملك بعد أن زرع الطبيب أملاً في نفسه. ثم قال: "هات ما عندك على الفور". جلس الطبيب قبالته، وقال: "يا سيدي علينا أن نحصل على بيضة حمارٍ مكسيكي بيّاض. ثم نقوم بنقعها في بركة مملوءة من دماءٍ الرعية لمدة يومين لزرع الحياة فيها. ثم تتفضل حضرتكم بالرقود على البيضة سبعةً وعشرين يوماً متواصلة دون أن تغادر. فتفقس البيضة عن طفلٍ صغير في اليوم الثامن والعشرين".

انفرجت أسارير الملك، ثم بدأ على الفور بالعمل على تطبيق الوصفة، فأمر سفيره في المكسيك باستيراد بيضة حمار مكسيكي نخب أول، وإرسالها عبر الطائرة الملكية الخاصة خلال أربع وعشرين ساعة. كما أصدر فرماناً ملكياً يقضي بقيام كل فرد من الرعية بالتبرع بكأس من الدم لصالح المملكة، ومن يرفض يُقتل على الفور بتهمة الخيانة العظمى وخدمة المشاريع المعادية.

لم تمض المهلة المحددة حتى كانت كل الشروط متوفرةً لرقود الملك على البيضة. مع قيام شرطته السرية بنشر شائعة مفادها أن طبيب القصر توصل إلى علاج سحري يشفي الملك ويجعل زوجته قادرة على الولادة خلال ثلاثين يوماً فقط.

مع انتصاف اليوم الثامن والعشرين أحسَّ الملك بحركة تحته أشعرته بسعادة كبيرة طال انتظارها، ففقست البيضة عن طفلٍ حماريٍ صغير. احتضنه والده على الفور وقبّله قبلةً لطالما حلم بها. ثم سلمه إلى الملكة لترعاه. وأمر بإذاعة الخبر في جميع أنحاء المملكة عن قدوم ولي العهد الحنتريش الثاني.

فرحت الرعية في المملكة، وأقيمت الأفراح وحلقات الدبكة الشعبية، وأُطلقت الرماح في الهواء ابتهاجاً بقدوم حامي المملكة ووريثها المعظّم. وفي هذه المناسبة السعيدة، أصدر الملك عدداً من المراسيم والقرارات الملكية مكافأة للرعية الذين وقفوا إلى جانب ملكهم ومملكتهم في إنجاز هذا النصر الكبير. فضاعف عدد السجون والمعتقلات، وافتتح المزيد من مراكز الشرطة السريّة. وعمل على مكافحة البطالة بتوظيف عدد كبير من المخبرين. وتم استيراد أحدث آلات التعذيب في العالم. وزرع حقول المملكة بالألغام التي نَمَتْ وكبرت وأثمرت ذات يوم آلافاً من الجثث والأشلاء والأجساد الممزقة.