بين فريد الأطرش وفرويد

بين فريد الأطرش وفرويد

26 مايو 2017
+ الخط -
على ذكر بسطات الكتب. كان الشبان والصبايا، حينما يزورون البسطات يشترون ما يعرف باسم "الجَنْك"، وهو كتيب صغير يتألّف من 32 صفحة، بطباعة رديئة، يحتوي على كلمات الأغاني الشائعة التي يغنيها ثلاثة مطربين لا رابع لهم، هم: أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش. ولم يكن ذلك الجيل القديم يحب محمد عبد الوهاب نكاية بالنخب المتعالية التي تتحدث عنه بوصفه معلم المعلمين.
وكان فريد الأطرش هو الأقرب إلى قلوب معظم الشباب، بينما عبد الحليم "بناتي أكثر" بسبب رقته المعروفة. المهمّ، أن ابن بلدنا الأخ، أبو قدور، الذي يعشقُ فريد الأطرش، اشترى، ذات يوم، "جنكاً" لفريد، وعندما وصل إلى بيته فتحه لكي يقرأ كلمات أغنية "نورا نورا يا وردة ناديا فـ بَنُّورة" التي يعشقها، وبالأخص المقطع الذي لم يفهمه من قبل (في مغنطيس بطلعتك).. وإذا به واقع ضحية التباس غريب من نوعه، فالكتاب لفرويد، وليس لفريد، وهو عن التحليل النفسي.


قرأ أبو قدور بعض مقاطع الكتاب المترجم بصعوبة تفوق صعوبة تكسير الحجارة، وعندما "لقط" الفكرة الأساسية، فرح كثيراً، وشكر الله على هذا الالتباس، وحمل الكتاب وذهب من توّه إلى صديقه أبي عبدو، وقال له:
- أبشر أبو عبيد. صار فينا نحلل شخصية أي واحد من شباب البلد، ومن دون ما ينتبه.
وبطريقة لا يوجد لها مثيل في الغرابة، جلس الاثنان على الكتاب، قرأا بعض فصوله، وقرّرا تحليل شخصية صديقهما (أبو إبراهيم) الذي حلق، قبل أيام، شعره على النمرة صفر، واعتمر بقبعة زرقاء لها رفراف من الأمام مثل رفراف السيارة. ولأن أبا قدور هو صاحب الفكرة فقد سوّغ فكرة اختياره لهذا الرجل، قائلاً إن عقل أبي إبراهيم لا بد أنه قد تشوش بعدما كان داخلاً ذات ليلة إلى بيته، فمرَّت بين قدمية قطَّةٌ سوداء، فداس عليها، فقفزت على وجهه، وخمشته وهي تموء بصوت مرعب.

دس أبو قدور كتاب فرويد في عبه، وخرج مع صديقه أبي العبد باتجاه بيت أبي إبراهيم. وحينما وصلا بالقرب من بيته، توقَّفا، وصارا يتذاكران بالأسئلة التي سيوجّهانها إليه، وكيف سيتم حفظ العلامات بناء على الإجابات المحتملة، ووقتها حصل أمر رهيب جداً.

فالأخ أبو إبراهيم كان يسهر في غرفة لها نافذة على الشارع، وكانت الأنوار مطفأة، فسمع الحوار، وأيقن أن رفيقيه قادمان الآن لتحليل شخصيته، لاعتقادهما أنه قد جن، فما كان منه إلا أن خرج من الباب متلصصاً وأطلق صوتاً يشبه صوت القطة التي أرعبته، فاضطرب أبو قدور وأبو عبدو، وامتلأ وجهاهما بالرعب، وارتبط لساناهما، بينما انفلت أبو إبراهيم بالضحك قائلاً لهما: بالله لو سمحتوا حللوا لي هالظاهرة!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...