تقدم رجعي

تقدم رجعي

28 ابريل 2017
+ الخط -

بالعودة لمطلع القرن العشرين ونهاية القرن التاسع عشر، ومروراً بمنتصفه ونصفه الثاني، نتبين تطور شأن المرأة في مجتمعاتنا؛ الحق بالخروج من المنزل، التعليم، التعبير، التحرر من الشيئية ظاهرياً. العمل، الظهور الاجتماعي، تقلد المناصب، ولكن وبعد دخولنا في العقد الثاني، في الألفية الثانية للميلاد، وبعدما كان وما جرى وما يجري؛ وبعد العبث والزيف الذي خالط سحاب السماء، وبعد كتم الصراخ الفارغ حول التقدم، والمناداة به حتى تمزق الحناجر، وبالنظر قليلاً يتضح خلف الغبار، ووراء الضجيج، تجليات قبيحة، لأيادٍ لا تزال تحكم عقالاً ولجاماً، حول رقبة المرأة الخاصة بهؤلاء، وهي في حكم المحظية في أحسن أحوالها بالنسبة لهم؛ ملكية ومتاعاً وشيئاً حقير القدر.


والأمثلة أكثر من أن تحصى وتُحصر. تعلمت المرأة وخرجت من المنزل وعبرت عن ذاتها وعملت وتقلدت المناصب بل وعالت رجلها العتيد وأسرتها وذويها. ولم تزل تطلب الإذن لممارسة إنسانيتها وكينونتها وكسر شأنها المنحط كشيء وكمتعة وكملكية خاصة لذويها. كان رب الأسرة وفحلها يحمي ويعيل نساءه؛ كما يحمي ويعيل نساءه بقية فحول العائلة، إن عجز أو مات.
وصارت المرأة اليوم تحمي وتعيل نفسها وأسرتها وفحل وفحول أسرتها؛ ولا تزال تبعاً لشرفيتهم، ومسخرة شيئاً لذلك بجدارة، ولا صوت لها بكل ما تبذل في حضرة شرفيته؛ فالشرف كان يوماً إعالة وحماية والعار، كل العار في التقصير فيه. واليوم صار في نقض ما صيروها إليه، من معيلة لنفسها ولهم وحامية لنفسها ولهم من الفاقة، وتبعيتها وملكيتها وشيئيتها لهم.

يضحكني صوت دندنات خيم الغجر في البوادي وفي مرامي البراري التي تصدح بالنقر والرنين والغناء وهز الخصر والأكتاف والنهود والشعر السابح بالهواء، لنساء الغجري، ورائحة انشغاله في تحميص القهوة للزوار ليلاً. وفي صباح اليوم التالي، يستفيق غاضباً، ليوقظ المسكينات ركلاً بقدمه، صائحاً كفحل من منكن التي يُحكى عنها في الحي أنها عاشقة!!

1F07533C-9635-4128-A498-5BF547B002E2
نزار الدقر

كاتب وصحافي سوري. خريج كليّة الإعلام والصحافة من جامعة دمشق. مختصّ بقضايا المرأة.