أصدقائي الدواعش وأستاذي المجنون!

أصدقائي الدواعش وأستاذي المجنون!

15 نوفمبر 2017
+ الخط -
قبل 6 سنوات تقريباً وفوق سقف واحد كان يجمعنا في الصف الثالث الثانوي الأدبي، نتهيأ لحضور مادة التاريخ المملة التي لم نعرف فيها إلا ميسلون والعثمانيين والمماليك والاستعمار، دخل علينا المدرس؛ وكانت المظاهرات السلمية ضد نظام الأسد حديثة الولادة. انفجر المدرس بتحليلاته عما سيحل بسورية مستقبلاً، مستحضراً أفغانستان والعراق وكل الدول، التي شهدت حروباً طاحنة، ليسقطها على البلاد في سيناريوهات متعددة.

لم نقرأ التاريخ جيداً ولم نتعرف على هولاكو ونيرون وهتلر وحافظ الأسد أو تشي غيفارا، وقلوبنا لا تحمل إلا العزيمة والهمة العالية. لم نصدق قول المدرس إن الدبابات ربما نراها شخصياً بعد أن كانت فقط على الشاشات، أو ربما تتحول منصة المدرسة إلى محرس عسكري لجندي يرابط على أرواحنا الثائرة، وأسرعنا في الحكم على المدرس بالـ"المجنون" ولم يعرف ما ينطق به لسانه. نعم هو مجنون حقاً وربما مؤيد لحزب البعث، هكذا كنا نتمتم في مقاعدنا واتفقنا على هذا الحكم دون أن نتفق عما يخبئه المستقبل.

شهورٌ قليلة واقتحمت الدبابات مدينتنا الثائرة وتسللت إلى المباني الحكومية في ساعات الصباح الأولى، والكل يراقب هذا المنعطف الأول نحو تحول بلادنا إلى أفغانستان ثانية أو ليبيا، التي لم نرضَ أن نصبح مثلها في إطار التحول العسكري الذي تشهده ليبيا آنذاك.

نعم رابط جنود الأسد على أسوار المدينة واعتلوا الأبنية الشاهقة ليروا كل كبيرة وصغيرة، وكل تجمع حتى لو كان على عتبات الأفران، وصوبوا فوهات مدافعهم التي تمترست في باحة المدرسة نحو الصفوف التي كتب عليها "يلعن روحك يا حافظ"، فتشوا هواتفنا بحثاً عن أي صورة لشيء يدل على الثورة، ومارسوا كل الأعمال القمعية المنشودة لدى الديكتاتوريين في العالم وتفننهم في قمع الشعب.

بدأت الأيام تسرق من نصيبنا في الحياة ما تيسر من سياسة النظام الغوغائية القمعية، تاركةً ذكريات لأصدقائنا الذين تشردوا بين القبور وأقبية المعتقلات وعداد الجرحى والمفقودين، ظل الأصدقاء نماذج ملهمة لتاريخ جديد، إلى أن دخلت بلادنا في متنفس الحرية بعد تحريرها من قبضة النظام.

كنا نظنها بقعة من سورية الجديدة، سورية الحرية والكرامة والعدل والمساواة، سورية القانون والمؤسسات التي لم تميز بين طائفة وأخرى. لكن خابت التوقعات وتبعثرت في منحدر التشظي والتفتت وصراع السلطة والإيديولوجيات الفكرية، سقطت عند أول أمير وقائد عسكري وشرعي كتيبة أو أمني فصيل.

كبر الأصدقاء وفرقتهم التوجهات حسب قدرة التيارات على الإقناع، منهم من انصاع وراء تيارات جهادية كداعش وغيرها، وآخرون اقتنعوا بالخدمة الإلزامية بحجة المؤامرة وجاء فرزهم إلى قطع الأسد العسكرية، وبالتالي أصبحوا مرتدين في نظر رفاقهم الذين ركبوا صفوف "القاعدة". ونفسهم عناصر "القاعدة" اعتُبروا في نظر الدواعش صحوات، الذين بدورهم اعتبروا رفاقهم الدواعش "خوارج"، في معادلة معقدة يصعب فهمها، ومجموعات أخرى شقت طريقاً بعيداً نحو المهجر في أوروبا، لتكتب ذكريات مريرة وتتابع من بعيد مقتل فلان وجرح الآخر باشتباكات في ما بينهم، ومجموعة ثالثة بقيت تصارع العيش تحت الطائرات دون الغوص في العسكر.

لا تسامحنا أستاذي.. عذراً.. كنا أكثر جنوناً منك، لم نقرأ التاريخ جيداً، لم نتعلم تكتيكات الثورة في الطريق الصحيح، وقعنا ضحيةً تجار الحروب الذين وضعوا الألغام في طريقنا ونحن مشغولون بعواطفنا وما يجذبنا.

ليتكم تسمعونني يا أصدقائي.. من قطعاتكم العسكرية ومتاريسكم التي رابطتم فيها على أرواح بعضكم.. توقفوا بحق الله عن ذبح أنفسكم فقد كنا أكثر جنوناً من الأستاذ!

 

821A5168-6F20-4962-8A3D-3682E9034A89
ياسين الأخرس

كاتب صحافي ومذيع طالب جامعي أدب فرنسي - مراسل إذاعي لدى نسائم سوريا - كاتب صحافي لدى مجلة مُبادر ومجلات أخرى. يقول عن نفسه: أسعى لأعود طالباً جامعياً بعد أن تسترد البلاد عافيتها، نكتب كي يروا ويرون ما لا نكتب، بعد أن تحول كل شيء إلى حرب.