كيف نفهم أفعال الله؟

كيف نفهم أفعال الله؟

24 ابريل 2017
+ الخط -
من المعلوم أن أي ظاهرة طبيعية أو إنسانية، اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، مادية أو غير مادية أو غيرها، هي ظاهرة قابلة للدراسة والفهم وتخضع لمجموعة قوانين تحدد أسبابها وتفهم نتائجها وتحلل طبيعتها وتفكك تفاصيلها، من الذرة إلى المجرة ومن أبسط الأفكار إلى أعقد الأيديولوجيات، ومن وجهة نظر مؤمنة، نحن نتفق أن جميع تلك الظواهر وقوانينها والشروط التي تتحرك ضمنها، هي مخلوقة من الله وتسير بإرادته وتتحرك ضمن مشيئته، ضمن نظام وجودي مُحكم، ومن هنا نستطيع فهم جملة إينشتاين حين قال: إن الله لا يلعب النرد.

جميع ما يحتويه الوجود يخضع لتأثيرات داخلية وخارجية قد تفرض عليه حركة ما أو فعلاً ما، أما الله خالق هذا الوجود، فهو لا يخضع في قراراته للتأثيرات الخارجية أو الداخلية مثلنا أو مثل أي شيء داخل هذه المنظومة الوجودية، إن خيارات الله لا ترتبط بأسباب ومؤثرات (السبب والمُسبب، الفعل ورد الفعل)، وإلا سوف تنتفي عنه صفة الحرية المطلقة، فهو متحرر من التأثيرات والعوامل السببية، ولكن في الوقت نفسه هذا لا يعني أن أفعاله عشوائية، وإلا انتفت عنه صفة الحكمة، فهو لا يختار القيام بأمر ما وتكون النتائج الصادرة عن هذا الأمر أسوأ من النتائج التي كانت ستظهر إن لم يقم به.

لذلك لكي نستطيع فهم الأحداث الدنيوية يجب أن ترتبط أفعال الله باعتبارات "منطقية" لا تُخالف القوانين والأسباب التي وضعها هو، فعندما ندرس ظاهرة ما بتنا نعلم سلفاً أنها تخضع لمجموعة قوانين تحدد أسبابها ونتائجها، وأن هذه الظواهر محكومة في حركتها ضمن حدود تلك القوانين التي تسري في الوجود.

يقول ابن رشد: إن الله لا يمكن أن يعطينا عقولاً ثم يعطينا شرائع مخالفة لها، لذلك فإن أفعال الله وحريته وخياراته تقع ضمن دائرتنا الممكنة منطقياً، فلا يمكن أن يهطل المطر من دون وجود السحب، ولا يمكن أن يغلي الماء دون وجود الحرارة، مع أخذ عامل الزمن بعين الاعتبار، فما كان ممكناً منطقياً في الماضي ليس بالضرورة أن يكون ممكناً منطقياً في الحاضر أو المستقبل أو العكس، قد لا يحصل العازب على الطلاق فهذا غير ممكن منطقياً، ولكن إن تزوج بعدها أصبح ممكناً منطقياً أن يحصل على الطلاق (أي عمل على تغيير الشروط التي حكمت بعدم منطقية حصوله على الطلاق في الماضي)، ولا يستطيع أحد مهما دعا الله أن ينتقل من حال (أ) إلى حال (ب) دونما القيام بأفعال مرتبطة بقوانين منطقية تنتقل به من الحالة (أ) إلى الحالة (ب).

بالتالي إن أفعال الله وخياراته في هذه الحياة مقيدة بالقوانين والأسباب السارية التي خلقها هو، وأعطانا القدرة على فهمها وتفسيرها، مع ملاحظة الفرق بأن "الله نفسه ليس مقيداً بتلك القوانين والأسباب". لن يُهندس الله الوجود ضمن قوانين معينة، ثم يأتي بعد زمن ويقرر تغيير تلك القوانين للأفضل! فالأفضل اختاره منذ البداية، ولا يوجد ما هو أفضل مما اختاره، وإلا انتفت عنه صفة الكمال، وبالتالي الألوهية.

الله كامل الحرية، ومتحرر من القيود السببية، ولكن أفعاله مقيدة بالقيود المنطقية. نعم إن جزءاً من إيماننا بالله تصديقنا بأن القدر يستطيع التغلب على المنطق، وعند الأخيرة تتفاضل النفوس والعقول.