أنتم تتغيّرون مثلنا

أنتم تتغيّرون مثلنا

23 ابريل 2017
+ الخط -
عمليّة إرهابيّة واحدة، ستقلبُ كل المعادلة السياسية في فرنسا، وستؤثر على خيارات الناخبين، وربما توصل اليمين العنصري للحكم. في حين، مطلوب من منطقة تتعرض لحرث بالكيماوي من قبل النظام السوري وحلفائه منذ ست سنوات، أن تبقى "صحيحة سياسياً" و"معتدلة".
أنتم تتغيرون تماماً كما نحن نتغيّر.


لماذا يحقّ للمواطن الفرنسي أو الأميركي أو البريطاني أن يصوّت لليمين في الانتخابات، وأن يتطرَّف، ولا يحق للمواطن من منطقتنا (سورية والعراق) التي لم تتعرَّض فقط للقنبلة الذريَّة أن يتطرَّف؟ لماذا عشرات الدراسات عن وضعيَّة المواطن الغربي الذي ينتقل إلى اليمين، ومحاولة فهم دوافع تصويته، في أبحاث تتناول الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعيَّة، كضرر العولمة، ونخبويّة خطاب المؤسسات السياسيَّة الليبراليَّة، وتضرّر الصناعة نتيجة نقل المصانع الكبرى إلى دول العالم الثالث، وفقدان الطبقة العاملة الغربيَّة البيضاء عملها. ولا يُبْذَل الجهد نفسه في دراسة دوافع المواطن من منطقتنا الذي ينضم إلى "النصرة" أو داعش، إذ يُلقى اللوم، غالبًا، على الإسلام أو النص الفقهي أو القرآن، وتغيَّب العوامل السياسيَّة (النظم العسكريَّة التسلّطية كبشار والسيسي) والاقتصادية (الفقر والتهميش) والاجتماعية والنفسيَّة.

لماذا لا يُلقى اللوم على الهويّة الفرنسيّة أو الأميركيَّة أو الدين المسيحي؟ أليس المواطن المشرقي، من سورية والعراق، كائناً سياسياً اجتماعياً اقتصادياً، يتغيّر ويتحوّل مثل المواطن الغربي؟ أم ثمّة اختلافٌ في "الطبيعة البشريّة"؟ لماذا دوافع الغربي دوماً سياسيَّة، ودوافعنا دوماً ثقافيَّة؟ لماذا لا يتشكَّل "تحالف دولي لمحاربة اليمين العنصري"، يشارك فيه أردوغان مثلاً، مثل "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب" الذي يشارك فيه الجميل بوتين.

لماذا هذا الهجوم على أردوغان (وهو يستحق الهجوم بكلّ الأحوال) لأنّه معادٍ لقيم التحرر، مع أنّ رئيس أميركا وأحزاب بريطانيّة وفرنسيّة هي أبعد ما تكون عن التحرر؟ لماذا محاسبتنا من الغرب على عدم امتلاك قيم حديثة، رغم أنّ هذه القيم صارت مهدّدة في معقلها؟ هذه ليست دعوةً إلى تبرئة الإسلام أو منعاً للنقد الذاتي. ولكنها، تأكيّد على الطبيعة البشرية المشتركة، والتشابه بين العالم في الحد الأدنى. نحن متشابهون، ومشاكلنا لا تحلّ إلا بالعمل المشترك على أرضية العدالة والكرامة.
دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية:

مدونات أخرى