نميمة عن بعد

نميمة عن بعد

15 ابريل 2017
+ الخط -

أنعم الله علينا بعد أربعين حولاً من الصمت والفقر والتقتير، في الوطن والمهجر، فاشترينا أول سيارة. بعد سنوات، احتجت سيدة البيت قائلة: إنها لا تستفيد من السيارة، كما ينص عليه القانون الكندي، الذي يقول، إن للمرأة النصف في كل شيء، وإن في احتكاري لقيادة السيارة ظلماً لها، وتجاوزاً لحقوقها، خاصة وأنها تعمل مثلي وأكثر. فقررت شراء سيارة أخرى، وكان لها ما أرادت، بعد أن رسب المنطق في امتحان التصدي لرغبتها. ولم تكتف بإغاظتي، بل كانت أحياناً تذهب الى الحارات التي تسكنها صديقاتها وتمارس "التشفيط" كي تلفت أنظار المارة وصديقاتها.

بعد سنوات، بلغ ابننا الكبير مبلغ الرجال، وصار عمره 18 سنة، فقرر بدوره شراء سيارة خاصة به، ليس من أجل العمل وزيادة دخل العائلة، وإنما لأن مواعيده الغرامية لا تسمح له بانتظار عودتي أو عودة أمه إلى البيت، كي يستعير بالقوة إحدى السيارتين، فكان له ما أراد، بعد أن وقفت أمه إلى جانبه، مبررة ذلك بحاجة الشباب إلى التحرر من سلطة "استبداد الآباء" التي لا تختلف في أصلها، عن استبداد بيت الأسد. 

وما أن أغمضنا العين وفتحناها، حتى وجدنا الولد الأصغر وقد بلغ مبلغ الرجال، ومن حسن الحظ، أن زينة الشاب في كندا هي "امتطاء" سيارة رباعية الدفع، ولكن دون سلاح على الطريقة السورية، فقد عبّر ببليغ العبارات أن من واجبنا "الشرقي" مساعدته في شراء سيارة سبور تليق به وبجسده الرياضي، وعضلاته التي يبرزها أمامنا بمناسبة ودون مناسبة. هذه المرة التزمت الصمت أمام رغبة الشاب وحماس الأم، ولكن بعد أن رفضت تغنيه بالقيم "الشرقية" عندما تكون في مصلحته فقط. وهكذا أصبح أمام بيتنا أربع سيارات، ونملك أربعة كمبيوترات محمولة، وأربعة هواتف ذكية من أحدث الأنواع والموديلات. وأصبحنا نتبادل الحديث في ما بيننا ونحن داخل البيت بواسطة الهواتف أو "فيسبوك" أو "سكايب". وكنا عندما نلتقي في ممرات البيت المؤدية إلى المطبخ أو التواليت، نتبادل التحية مثل كل الجيران الحبابين.

قبل سفري إلى إسطنبول، قررت السيدة الأولى وولداها توديعي بعشاء "مطنطن" في أحد المطاعم الفاخرة، التي تليق بسمعة عائلة محترمة، تملك أربع سيارات، ولما لم نستطع الاتفاق على نقطة انطلاق محددة، كالبيت مثلاً، قررنا اللقاء في المطعم. في الموعد المحدد كنا نحن الأربعة؛ كل واحد منا في سيارته أمام المطعم، ولكن للأسف وبعد انتظار 30 دقيقة، لم نستطع العثور على مواقف لسياراتنا، فقررت من طرف واحد التخلي عن فكرة العشاء، وعدت إلى البيت.

بعد أن اجتمعنا في البيت، وطلبنا بيتزا وكولا، اتهمتني زوجتي بشق الصف وتخريب روح الجماعة وبث الشقاق بين أفراد العائلة الواحدة والاستبداد، وذلك بعد هربي من واجب الانتظار أمام المطعم.

بعد وصولي إلى إسطنبول، مدينة المعارضة السورية، وإحساسي بالأمان، وأنني أصبحت بعيداً بما فيه الكفاية عن المدى المجدي لراجمات صواريخ زوجتي، أستطيع القول، إنني استغربت القواسم المشتركة في طريقة التفكير بين زوجتي السورية المنبت، والسياسيين السوريين المدنيين، منهم، والعسكريين، وقادة الفصائل المسلحة، وبعض المثقفين والإعلاميين، ثم استدركت وقلت لنفسي: 

أغلبنا ترباية الأسدين، فلِمَِ الغرابة؟

65BA1F44-59A2-4240-B737-8FB8776C9F64
65BA1F44-59A2-4240-B737-8FB8776C9F64
ميخائيل سعد
ميخائيل سعد

مدونات أخرى