تحوّلات مقتدى الصدر

تحوّلات مقتدى الصدر

11 ابريل 2017
+ الخط -
لا يمكن قراءة تغيُّر الخطاب الصدري، وإلى حد ما خطاب حيدر العبادي، بعيداً عن التواصل العربي، والخليجي تحديداً، والذي اتضح منذ بداية العام الحالي. وهذا التواصل، والموقف الجديد للصدر من سورية، بالطلب من رأس النظام ترك منصبه، يعبران عن صحة مطالب عربية، فكرية وسياسية، حتى قبل الادعاء الإيراني بالهيمنة على عواصم عربية، بضرورة ألا يُترَك العرب الشيعة وحدهم لمواجهة تغريبهم في مخططات إيران.

وربما يبرز الخطاب الصدري نتائج هذا الانفتاح المتجسّد بتحرُّك خليجي، سعودي على وجه الخصوص، وبزيارة الجبير لبغداد.

المشهد العراقي الداخلي ليس ببعيدٍ عن هذه التطوّرات. فبعد سنوات من اتّهامات داخليّة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي بالارتهان لطهران، وتغليب مصالح الانتماء المذهبي والطائفي على مصالح الانتماء العربي للعراق، اتضح لأطراف عراقيّة أخرى فداحة تلك السياسات على مصالح البلد ومكانته ودوره التاريخي في المنطقة.

وقد وصل أوجه في سنوات الثورة السورية. وانخرط المالكي بنفسه في تسويق خطاب طائفي مقيت وقف مع نظام الأسد. وقد أثبتَت الأيَّام أنّ الزج بفقراء العراق في حرب النظام السوري ضد شعبه، وكأدوات في مُخطّطات قاسم سليماني الدمويَّة، لم ولن تقدِّم للعراق سوى فقدانه المزيد من هويّته وتماسكه.

ليس خفيّاً بأنه منذ سقوط بغداد في 2003، كان الدور الحاسم في البلد لطهران، عبر هيمنة تيارات دينية، حصرت قراءتها لمسائل الحكم والديمقراطية والمواطنة بالهوية المذهبية. ولم تختلف ممارساتها كثيراً عن عقلية الأنظمة الاستبدادية، ما أنتج واقعاً عراقيّاً أكثر تشرذماً وتشظياً، اجتماعياً وسياسياً.

بأية حال، فإن تعزيز التحول في خطاب الصدر يتطلب خطوات عربية إضافية، بعيداً عن مطب الوقوع في سياسات المقايضة والانتهازية، والتي انتهجها مثلاً نظام السيسي على المستويين السوري والفلسطيني.

لا ضير إذاً، حتى لو استندت الخطوات إلى مصالح وطنية لدول الخليج العربي، بالتأسيس للانفتاح على مختلف التيارات والقوى العربية والكردية في العراق. فهي معادلة أخرى تعيد بعض التوازن للعراق داخلياً وفي القضايا العربية.

على ما تقدم، فإن تنقية الأجواء مع العراق لا بد أن تأخذ بالحسبان توقف الحكم العراقي عن التصرف كمنظومة مليشياوية طائفية مهيمنة، أو ترك الحرية لعصابات قطاع طرق كما في حالة اختطاف المواطنين القطريين، وتهديد مستمرّ للعرب بتحشيدات نحو حدودهم بخطاب طائفي واضح.

ومن الواضح أن خروج العراق من مستنقع البقاء كدولة مليشيات، وأحزاب دينية وتيارات تتصارع على ولاءات عابرة للحدود، يتطلب مساعدة الدولة على التحول إلى دولة مؤسسات، وليس البقاء تحت عباءة "الولي الفقيه"، كما فعل دوماً المالكي ومؤيدوه.

العراق ليس بالتأكيد "أبو عزرائيل" و"داعش"، ولا الحشد الشعبي الذي يُهين ويستبعد مكونا أساسيا من مكونات العراق، ويعطي مبررات لانتشار فكر الانتقام ونشوء تيارات مقابلة تغرف من القهر وامتهان الكرامة نحو مزيد من التشدد.

أخيراً، ليس المطلوب أن يدخل أحد في حرب مع إيران، بقدر أهميّة استعادة العراق لسلمه الأهلي وعافيته وسيادته، لا أن يُؤتمر بأوامر المندوب السامي قاسم سليماني.