في تشيّع الشيوعيين

في تشيّع الشيوعيين

10 ابريل 2017
+ الخط -
أثناء طفولتي الباكرة كنت أستمتع بالجلوس بين الرجال الكبار في سهراتهم للاستماع إلى نقاشاتهم، والتي كان غالبها في فترة التسعينيات، يتمحور حول أثر سقوط الاتحاد السوفييتي على العالم، وصعود نفوذ إيران في الشرق الأوسط، بعد تعرض العراق لضربة كبيرة، إثر خسارته حرب الخليج الأولى، بعد اجتياح الكويت.

كان مصطلحا "الشيعة" و"الشيوعيين" يتكرران كثيراً في حديث السياسة حينها، فحكومة إيران الحالية التي وصلت للسلطة بعد "الثورة الإسلامية" في نهاية السبعينيات، لم تخفِ يوماً أنها تقدم نفسها كممثل حصري، بل وقائد، للمسلمين الشيعة في العالم، تحمل آمالهم في السيطرة على العالم الإسلامي بالاستناد إلى مظلومية تاريخية مزعومة تعرّض لها "الشيعة" على يد خصومهم "السُنّة". أما الاتحاد السوفييتي فكان، كما هو معروف، رائد الشيوعية وحامل مشعلها وممثلها الذي أدار يوماً نصف العالم أو أقل بقليل.

وبحكم جهلي بكل ما تقدم، وقتها، كان راسخاً في ذهني أن "الشيعة" و"الشيوعيين" جماعة واحدة، ولها اسمان، وكنت، كأي طفل صغير يلتبس عليه أمر، أحاول توفير عناء السؤال عن الفرق بينهما، بالقول لنفسي إن الرجال العاديين يسمون هذه الجماعة بـ"الشيعة"، بينما يتجه ذوو الثقافة العالية إلى تسميتهم بـ"الشيوعيين"!

من الناحية النظرية يمكن اعتبار تحليلي للأمر حينها مجرد مثال على سذاجة الأطفال وقدرتهم الفائقة على خلط الأمور ببعضها بطريقة غالبا ما تكون مضحكة، لكن الهزات السياسية القوية التي بات العالم يشهدها في السنوات الأخيرة دفعتني أخيراً لإعادة النظر مجدداً بـ"نظريتي العجيبة" التي ابتدعتها عندما كان عمري ثماني أو تسع سنوات!

فبعد يوم واحد فقط من الضربات الاستعراضية التي وجهتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى مطار الشعيرات العسكري بريف حمص، والذي قيل إن الهجوم الكيميائي الذي شنته قوات النظام السوري على بلدة خان شيخون بريف إدلب انطلق منه، خرج علينا بقايا ما تبقى من الشيوعيين العرب، وثلة من الشيوعيين الذين يفاجئوننا دائماً بعدم انقراضهم بعد في الغرب، ليكيلوا الشتائم للولايات المتحدة ويقدموا الكتابات على مواقع التواصل وفي صحفهم القليلة، للدفاع عن نظام الأسد الذي يعكف على إبادة السوريين وتهجيرهم منذ سنوات، دون أن يلفت ذلك نظر هؤلاء.

بل إن عشرات من الشيوعيين العرب خرجوا في وقفات احتجاجية على "الضربة الترامبية" أمام السفارة السورية في العاصمة الأردنية عمان، وفي تونس، وخرج فلسطينيون شيوعيون للاحتجاج أيضاً في نيويورك! 

ومعروف طبعاً أن نظام الأسد هو الشوكة الأقوى لمشروع إيران الطائفي في المنطقة العربية، ومعروف أيضاً أن معظم اليساريين العرب يصطفون إلى جانب هذا النظام بدعوى ترتكز أساساً إلى رفضهم "الإسلام السياسي" الذي شكل تياراً كبيراً ضمن "الربيع العربي" الذي كانت سورية أطول محطاته، وبدعوى رفضهم للنظام السياسي والاقتصادي السائد في الغرب والذي دعم وما زال يدعم تيار "الربيع العربي"، ولو نظرياً، على حساب أنظمة الاستبداد والديكتاتوريات في المنطقة العربية، وخصوصاً في الدول العربية التي كانت يوماً حليفاً للاتحاد السوفييتي، كسورية وليبيا ومصر وحتى اليمن.

إن اصطفاف الشيوعيين العرب إلى جانب نظام الأسد الذي يمثل المشروع الإيراني بالمنطقة العربية ودفاعهم المستميت عنه، يجعل من فكرة طفولية من قبيل أن "الشيوعيين" و"الشيعة" جماعة واحدة، فكرة ذات قيمة. وذلك طبعاً بالنسبة للشيوعيين العرب الذين يغضون أنظارهم عن حقيقة سكوت الغرب لسنوات عن جرائم الأسد، وبل دعم الغرب لحلفاء الأسد من "الشيعة" في العراق في حربهم على الإرهاب، والذي أفضى في الواقع إلى تسليم العراق إلى إيران على طبق من فضة.

 

 

 

 

7A81DF96-D4DF-4447-B4DF-E3B0041104DA
رامي سويد

صحافي سوري من حلب، يحمل إجازة في القانون وماجستير في عقود التجارة الدولية. من أسرة "العربي الجديد".يقول: الكتابة أداة تواصل وفعل لتوثيق الفكرة والحدث. نحن نكتب لنحاول أن نصنع التغيير من خلال التعبير..