المكافأة.. قصة من عهد الديكتاتورية

المكافأة.. قصة من عهد الديكتاتورية

10 مارس 2017
+ الخط -
حدثني السندباد النهري، قال:

توزع المكافآت التشجيعية في إحدى مؤسسات الدولة (ض) الواقعة على النهر (ن) بالطريقة التالية:

يعلقون على أبواب فروع المؤسسة الكثيرة المنتشرة في أنحاء البلاد لافتةً يثبتون عليها أرقام هواتف "مديرية الشكاوى والمتابعة" إضافة إلى أرقام الفاكسات والتيليكسات، وصندوق البريد، وتحتها يكتبون العبارة التالية:

عزيزي المواطن:

إن مجلس إدارة المؤسسة يرجوك أن تكون متعاوناً، فتُعلم مديرية الشكاوى بأي خلل تراه، أو تقصير من أي موظف تراجعُه أثناء التعامل. وإذا لم تستجب مديرية الشكاوى، فرضاً، لشكواك، فالمرجو أن تتصل بالرقم (...) وهو الرقم الخاص بالمدير العام، بوصفه الجهة المخولة من قبل مجلس الإدارة بمعاقبة أعضاء لجنة الشكاوى، في حال تخاذلهم أو تواطئهم. 

(ملاحظة: تُصرف لمن يتصل للإبلاغ عن الخلل أو التقصير مكافأة مجزية)!

وعندما يتصل أول مواطن يصغون إليه، ويسجلون تفاصيل الشكوى لديهم، ويطلبون منه مراجعة مكتب المدير العام، في الساعة (...) من يوم (...)، لكي يستلم مكافأته، فيحضر في الوقت المحدد، فيناولونه استمارة، يملؤها بخطه، ويدخلونه على المدير العام الذي يبتسم له، ويكتب على استمارته: "مديرية الصرف. لإجراء اللازم" فيحمل المواطن الاستمارة ويتجه إلى مديرية الصرف، وهناك يغلقون الباب، ويقفلونه من الداخل، ويُجرون له "اللازم" و"يصرفونه" فيخرج من عندهم حائطٌ يأخذه وحائط يجيء به، حتى يصل إلى منزله، فتسارع زوجته، عندما تراه، إلى غسل قدميه بالماء الفاتر، وعندما يأتي مواطنون آخرون للسؤال عنه، والاستفسار عن مقدار "المكافأة" التي حصل عليها، يكتفي بأن يبتسم لهم ويقول: "مُجزية"!

وتمضي السنةُ المالية كلها دون أن ترد إلى مديرية الشكاوى والمتابعة أية شكوى، وبينما يكون مجلسُ الإدارة مجتمعاً، يُناقِشُ خطة السنة المقبلة، إذ يدخل محاسبُ الصرف، وبيده مذكرة خطيّة يُخطرهم فيها بأن الاعتمادات المخصصة لمكافآت المواطنين لقاء شكاواهم لم تُصرف، وينبغي التصرف بها، لأنّ الاعتماد الذي لا يُستعمل يُلغَى بحسب المادة الفلانيّة من القانون المالي، فيتقدّم عضو مجلس الإدارة الأقدم، ويسمونه في تلك الدولة "الحكيم" ويقول:

إن موظفين من هذا الطراز لخليقون بأن توزع عليهم هذه المكافآت!

وترتفع الأيدي بالتصويت مؤيّدة اقتراح الحكيم وينهض "العضو الإعلامي" ويتصل بمديرية البث والتلفزة المتحدة "ضاد- سات" ويعلمهم بانعقاد المجلس، ووجود أخبار مثيرة، وما هي إلا ربع ساعة حتى تُنصبُ الكاميرات على الحوامل، وتُوزع برجكتورات الإضاءة، وسكة الشاريو، وتُثبت اللواقط في صدور المجتمعين، وتتوجه المذيعة إلى حيث يجلس وراء المكتب، وتسأله عن تقييمه للعمل في العام المنصرم، فيتصدر إلى الخلف، ويقول إن العمل يسير بما يشبه المعجزة، فبالرغم من الإعلانات المتكررة، و"المكافآت" التي رصدناها لمن يُبلغ عن وجود خلل فقد مضت سنة، إثنا عشر شهراً، ولم ترد شكوى واحدة، حتى إن الموظف المناوب في "غرفة عمليات الشكاوى" قد أبلغني قبل لحظات، أن أجهزة استقبال الشكاوى، من فاكس وهاتف وتيليكس، قد بنى عليها العنكبوت!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...