أنواع التفاوض والمفاوضات

أنواع التفاوض والمفاوضات

23 مارس 2017
+ الخط -
في مقالنا السابق بعنوان "علم التفاوض"، أشرنا إلى أن هذا العلم يهدف إلى الكشف عن أفضل الوسائل لتكوين أرضيات مشتركة والتفاهم الفعّال بين الأفراد بالرغم من اختلافهم الثقافي أو السياسي أو العقائدي وتضارب مصالحهم، وذلك من أجل تجنب المشاكل والصراعات أو وضع حدّ لها والخروج منها. ولتحقيق هذا الهدف سعى الباحثون في هذا المجال إلى محاولات تصنيف لأنواع المفاوضات والتفاوض واقتراح استراتيجيات ومهارات وتكتيكات خاصة لكل منها.

فمن الباحثين من صنّف المفاوضات على أساس أطراف عملية التفاوض وهكذا، على سبيل المثال لا الحصر، اقترح المحامي الأميركي والمختص في علم التواصل والتفاوض، جيرار نيرونبيرغ، (Gérard Neirenberg) ثلاثة مستويات للمفاوضات: مستوى الأفراد، ومستوى المنظمات والجماعات ومستوى الدول.

واقترح آخرون تصنيفًا يأخذ بعين الاعتبار مجالات التفاوض، وبناء عليه نجد: مفاوضات في مجال الاقتصاد والتجارة بقصد الشراء وعقد الصفقات أو مفاوضات بين أرباب العمل ونقابات العمال أو مفاوضات بين الشركات، مفاوضات قانونية، مفاوضات في مجال السياسية والدبلوماسية، مفاوضات في المجال الاجتماعي كالمفاوضات التي تحصل نتيجة مشاكل الطلاق أو داخل العائلة الواحدة بسبب مشاكل الإرث وتوزيع التركة بين الأخوة.

بينما قدّم عالم الاجتماع فريد إكلي (Fred Iklé) تصنيفاً خماسياً مبنياً على الهدف التفاوضي وهو على الشكل الآتي:

التفاوض من أجل مدّ اتفاقيات أو عقود عسكرية أو اقتصادية قائمة شارفت على الانتهاء مما سيؤدي إلى نتائج سلبية على الطرفين أو أحدهما.

التفاوض من أجل تطبيع العلاقات، أي تأسيس أو إعادة تأسيس علاقات دبلوماسية انقطعت لظروف معيّنة أو لم تكن موجودة بالأساس كالمفاوضات التي حصلت بين مصر وإسرائيل عام 1979.

مفاوضات تغيير الأوضاع أو "إعادة التوزيع" حيث يكون الهدف هنا هو تغيير أوضاع معينة لصالح طرف ما على حساب طرف آخر كالمفاوضات التي جرت بين ألمانيا في عهد هتلر والرئيس التشيكي في آذار/مارس من عام 1939 من أجل تسليم بقية الأراضي التشيكية للألمان.

المفاوضات الابتكارية والمقصود منها خلق علاقات جديدة أو مؤسسات جديدة من شأنها تنظيم العلاقات بين الأطراف المعنيّة بالتفاوض، وكمثال على هذا النوع من التفاوض يضرب فريد إكلي مثالاً عن المفاوضات التي حصلت قبل تأسيس السوق الأوروبية أو وكالة الطاقة النووية.

مفاوضات التأثيرات الجانبية، حيث لا يكون الهدف من هذه المفاوضات التوّصل إلى حل نهائي وإنما التأثير على الطرف الآخر واستطلاع مواقفه وربما خداعه وتضليله أو إيصال رسالة له. وفي نفس السياق يقترح الدكتور، حسن محمد وجيه، في كتابه "مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي" الصادر عام 1994 عن سلسلة عالم المعرفة تصنيفاً لأنواع التفاوض، معتمداً أيضاً على أهدف التفاوض ولكن من زاوية أُخرى، وهو:

1- التفاوض من أجل اتفاق لصالح الطرفين، وهو يقوم على مبدأ المصالحة والمصلحة المشتركة أو ما يعرف بمبدأ "إكسب أكسب" الذي أشرنا إليه في مقالنا السابق، حيث تتعاون الأطراف المتفاوضة فيما بينها من أجل الوصول معاً وبطريقة ابتكارية وتفاعليّة من أجل الوصل إلى حل يستفيد منه جميع الأطراف. والشرط الأساسي لهذا النوع من التفاوض هو تكافؤ موازين القوى واقتناع الطرفين المعنيّين بأنه لا "غالب ولا مغلوب" في صراعهما.

2- التفاوض من أجل مكسب لأحد الأطراف وخسارة للطرف الآخر، وهذا النوع يحصل عندما لا يكون هناك توازن قوى بين الأطراف المعنيّة بالتفاوض وعلى الأغلب في هذه الحالة يُملي الطرف الأقوى شروطه على الطرف الأضعف. وربما عدم التوازن في القوى يكون ناتجاً عن سوء اختيار الطرف الأضعف لتوقيت التفاوض وحسن الاختيار من قبل الطرف القوي. 

3- التفاوض الاستكشافي، ومن اسمه يدل على أن الهدف الرئيس منه هو استكشاف نوايا الأطراف المعنيّة واستطلاع مواقفها ومدى قبولها وتقبّلها لبعض المقترحات والحلول. وقد يكون التفاوض الاستكشافي إحدى مراحل عملية التفاوض النهائيّة ويكون الهدف منه، في هذه الحالة، هو تكوين فهم ووعي لمتطلبات كل طرف في المفاوضات ووضع استراتيجيات الإقناع والمساومة اللازمة. 

4- التفاوض التسكيني، والهدف من هذا النوع من التفاوض هو تهدئة الأوضاع القائمة بين الأطراف المعنيّة وربما تمييعها، وذلك بسبب صعوبة الوصول إلى حل وشدّة الصراع بين تلك الأطرف. وقد يُشكّل التفاوض التسكيني إحدى الاستراتيجيات لربح الوقت والتلاعب بالأجندة والتمهيد لمفاوضات مقبلة تكون الظروف أكثر مواءمة لطرف ما أو للطرفين معاً.

5- تفاوض التأثير في طرف ثالث، ويحدث هذا النوع من التفاوض حين يكون هدف أحد الأطراف المعنيّة هو إيصال رسالة لطرف ثالث أو التأثير على موقفه بخصوص قضية التفاوض. وعلى الأغلب، هذا الطرف الثالث غير معني بالصراع بشكل مباشر ولكنه يمكن أن يؤثر على الخصم المباشر.

6- تفاوض عن طريق الوسيط، وهو من أهمّ أنواع التفاوض، والأكثر شيوعاً سواء في مجال التجارة أو الحروب وصراع الدول. فغالباً ما تلجأ الأطراف المتصارعة إلى المفاوضات بعد تدخل وسيط من المفترض أن يكون محايداً. وكمثال على ذلك، يمكننا الحديث عن المفاوضات الجارية حالياً في جنيف برعاية الأمم المتحدة وممثلها دي ميستورا، كوسيط محايد، بين وفد من المعارضة السوريّة ووفد ممثل لنظام الأسد. 

ومن الملاحظ في حديثنا عن أنواع التفاوض والمفاوضات أنه لا يمكننا حصرها في نطاق معيّن لأن هذا النطاق واسع إلى أبعد الحدود. ولكن في جميع الأحوال، لقد أجمع الباحثون في مجال علم التفاوض على وجود استراتيجيات وتكتيكات يمكن أن يلجأ إليها كل طرف في عملية التفاوض لكيّ يحقق هدفه، وهو ما سنأتي على ذكره في مقالة لاحقة.

 

 

EB01B814-698C-4CCC-9ACD-FF0F50FDCC1F
EB01B814-698C-4CCC-9ACD-FF0F50FDCC1F
عزام أمين

كاتب وباحث سوري، دكتوراة في علم النفس الاجتماعي، مدرس في معهد الدوحة للدراسات العليا

عزام أمين