الفتى الأهبل نبيه بطل التراجيكوميديا

الفتى الأهبل نبيه بطل التراجيكوميديا

02 مارس 2017
+ الخط -
اطّلع صديقي العزيز، أبو الجود، على الحكايات التي دوَّنتها من سيرة الفتى الأهبل، نبيه، فأبدى إعجابه بها، وقال لي إنها أقرب ما تكون إلى أدب الإمتاع والمؤانسة.

ولأنّه يعرف بطلنا، نبيه، حق المعرفة، فقد ذكّرني بميدان يلعب فيه، نبيه، دور البطولة دون أن يقصد ذلك أو يعيه، إنه مجال التراجيكوميديا. وقال لي موضحاً: "إن إيمان أهل بلدنا بالله تعالى قوي لا يتزعزع. ولا يوجد لدى أي منهم شك بأن من سُطِّرَ في لوحه أنه سيموت في الستين من عمره يستحيل أن يموت في التاسعة والخمسين، ولولا هذا الإيمانُ القوي لخرجوا بنتيجة حاسمة مفادها أن أبا أحمد قد انقصف عمرُه ومات غيظاً وطقيقاً من تصرفات ابنه "نبيه" الجنونية". 

وأبو أحمد، كما تعلم، إنسان طيب ومحبوب، وفي حياته كلها لم يؤذ نملة، لذلك فقد اجتمع في داره إثر وفاته رجال كثيرون، جلسوا يترحمون عليه، ويذكرون محاسنه، ويقرؤون له بعض الأجزاء من القرآن الكريم، وكانوا قد أخرجوا نبيه من سجنه إكراماً لروح أبيه، وكان يجلس صامتاً يجيل بصره بين الحاضرين بغباء شديد، وفجأة وقف وفتح "الكتبية" وأخرج منها أحد أجزاء كتاب "سيرة الملك الظاهر"، وأمسكه بالمقلوب، وقال للحاضرين: "أنا أيضاً أريد أقرأ لأبي سورة: بسم الله الرحمن الرحيم، ياسين والقرآن العظيم، ولا الضالين آمين". والتفت إلى زميله في الشقاوة والتشرد سمعو وهو يقول: "يلعن شكلك يا سمعو، يلعن شكلك شو ملعون!" 

فترك الناس ما في أيديهم واستلقوا على أقفيتهم من شدة الضحك! 

وقال لي أبو الجود: "ويوم كان نبيه مسجوناً في تلك الغرفة المطلة على الزقاق من دار أبيه، مررت به فوجدته يمط رأسه من النافذة نحو الزقاق، وما إن لمحني حتى صاح بي: على بالي يا أبو الجود أن أضربك كفين، ولكنني الآن مشغول!

فقلت له وأنا مطمئن إلى ثخانة جدران غرفته التي سجنوه فيها: 

- على راحتك سيد نبيه، بمجرد ما تجد لديك وقتاً فارغاً ابعث إلي خبراً كي آتي إليك وتضربني كفين!

وقد بقي سجين تلك الغرفة حتى مات.

----------------

سيرة مسلسلة ــ يتبع   

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...