العلمانية هي الحل !!

العلمانية هي الحل !!

02 مارس 2017
+ الخط -


العلمانية في معناها المبسط هي فصل السلطة الدينية عن نظام الحكم في الدولة، لاعتبار أن الدولة تمثل أطيافاً وأدياناً مختلفة، المعنى الثاني يمكن أن يكون، الاهتمام بالواقع المعيشي للأفراد، بالقانون الوضعي، وبعيداً عن نظرة الدين لهذا الواقع، من حيث جوازه أو لا. وهي لا تعني الإلحاد في حد ذاتها، هي يمكن أن تكون ارتبطت في العالم العربي بالمعنى ده لسوء التفسير.


عندما تعيش في المجتمعات الغربية وتتأمل حقيقة القيم العلمانية، التي يعيش الناس وفقها، واختلافها عن قيم الإسلام بالنسبة لنظام إدارة الدولة، فالإسلام يكفل الحرية لكل الأفراد الذين يعيشون في المجتمع على اختلاف العقيدة، وليس هناك أي أساس لما يروج له من اضطهاد أو عدم تساوي الفرص، فالمبدأ هذا أصلاً هو مبدأ إسلامي أصيل، ولكن أوروبا اضطروا أن يضعوه كمبدأ أساسي لفكرة العلمانية لمعاناتهم من تسلط الكنيسة في عصور سابقة، والمسلمون يطالبون به الآن لأنهم يعانون من فساد بعض المؤسسات الدينية الإسلامية الحالية.

من مقولات د. مصطفى محمود: "احترام الفرد في الإسلام بلغ الذروة، وسبق ميثاق حقوق الإنسان وتفوق عليه. فماذا يساوي الفرد الواحد في الإسلام؟ إنه يساوي الإنسانية كلها: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة 32".


الجزء الثاني الذي يخص واقع الحياة اليومية للأفراد مفيهوش اختلاف كبير، غير في بعض العادات اللي مرتبطة بظروف اجتماعية وثقافية -و ليست دينية- في الدول الغربية، والحاجات دي طبعاً مرفوضة في الإسلام زي ما هي مرفوضة في الأديان السماوية الأخرى (وإن كانت بعض منها بتحصل في العالم العربي الآن، بس أنا هنا بتكلم عن الصح مش عن اللي موجود).


إدخل بقا في أي تفاصيل تانية زي ما انتا عايز هتلاقي كل قيم العلمانية، في الحياة اليومية ووضع المجتمع عموماً،  من الحرية وضمان العدالة واحترام الآخر ورفض العنصرية وأي شئ يخطر في بالك سواء صغير أو كبير، هتلاقي أصله في الإسلام.


الواقع أن الاسلام اهتم بكل تفصيلة ولو صغيرة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، حديث حسن رواه الترمذي وغيره. ويعني محدش يدخل في حياتك، مش بيعلق على لبسك وكلامك، والمبدأ ده عرفناه في الغرب وبنحكي ونتحاكى عنه من سنين، وهو في الأصل إسلامي ومذكور في حديث نبوي.

ولكن ....... بعض الناس مقتنعة بتطبيق فكرة العلمانية التامة على بعض مساوئها وإن هي الحل في العالم العربي، أنا شخصياً متفهم الفكرة لأنه صعب جداً أو تقريباً مستحيل، إنك ترجع الناس إنها تطبق الدين الاسلامي بقواعده الصحيحة في ظروف المجتمع الحالية السيئة جداً - و التقييم ده مش مبني على أساس ديني على الإطلاق ولكن من منطق إنساني بحت- عشان كده هما فكرتهم إننا لازم الأول نبدأ بفترة علمانية فيها حرية تامة للفكر، وبعد كده الناس لما يتفتح قدامها كل الاختيارات بدون تحديد هيختاروا صح، بس المهم الأول نضمن الحرية للجميع.

ده على اعتبار إن فكرة العلمانية ممكن تحل مشاكل كتير، أولاً هتجمع كل الأطياف عليها بدون اختلاف، لأن الكل عايز يضمن حريته، ثانياً هتخرج السلطة العسكرية تماماً من أي عمل سياسي، ثالثاً هتمنع تأثير المؤسسة الدينية.

من ناحية تانية، إحنا فعلياً ولحد دلوقتي لسه مش شايفين مثال ناجح لدولة إسلامية بالتصور اللي في عقل ناس كتير، لأنه لحد الآن مازال تصور لم يتم تطبيقه عملياً، ممكن الحرية اللي هتوفرها وجود الدولة العلمانية تُنتج لينا فيما بعد تطبيق عملي لدولة إسلامية حقيقية، ده غير إن بعض المساوئ اللي ممكن تظهر من تطبيق العلمانية مقارنة بالوضع الحالي في الدول العربية تعتبر صفر على الشمال.

نظرياً الكلام ده ممكن تطبيقه، ولكن عملياً لو أخدنا الموقف المصري كمثال، النظام المصري ليست مشكلته مع الإسلام أصلاً، بالعكس هو بيستخدم الدين للترويج لنفسه في بعض الأحيان، هو مشكلته الأساسية مع الحرية والديمقراطية والمساواة، ده غير إن فئة كبيرة من الشعب بتتبع نفس منهج تفكير الدولة، وبتعتبر الإسلامي إرهابي والعلماني خاين وعميل.

الخلاصة إن الأصل في اللي يحكم مصر والناس ترضى عنه، إنه لازم يتصرف بشكل معين بعيداً عن خلفيته الفكرية أو الثقافية، عشان كده شخص زي البرادعي صعب تلاقي اتنين متفقين إنه كويس، لأنه بيفتقد الفكر المصري في التعامل، وده هو وضحه في آخر حوار له على سبيل السخرية من بعض الأحداث: "إحنا مش في قهوة بلدي يا خالد"، بس الحقيقة إننا في قهوة بلدي، وعشان كده النتيجة النهائية إن البيئة أصلاً سيئة، ومش هينفع أي نظام "إسلامي كان أو علماني" يبقي موجود، إلا لو اتعامل مع المصريين بهذا النموذج.
5B985DC1-BD48-4B04-A42F-E79E232E0086
5B985DC1-BD48-4B04-A42F-E79E232E0086
محمد داغر

مدير لإحدي شركات الشحن الدولي بمصر. مهتم بالوضع الاقتصادي والسياسي للشرق الأوسط وأوروبا. يدرس حالياً درجة الماجستير في إدارة الأعمال في جامعة هيلسنكي متروبوليا للعلوم التطبيقية ومقيم الأن في فنلندا يقول: "لما العرب يرجعوا يكتبوا ألف ليلة و ليلة، لما يألفوا قصص شبه السندباد وعلي بابا و علاء الدين، هيرجعوا علي قمة العالم، لما العرب يرجع ليهم الخيال هيبقي ليهم المستقبل".

محمد داغر