فلسطين وتحديات خروج العداء الأميركي للعلن

فلسطين وتحديات خروج العداء الأميركي للعلن

06 ديسمبر 2017
+ الخط -

يمثل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى القدس المتوقع إصداره اليوم الأربعاء، إعلان حرب على الفلسطينيين قيادةً وشعباً، وخروج العداء الأميركي المُبطّن إلى العلن وبكل وضوح.

يُذكر أن الكونغرس الأميركي كان قد أصدر قانوناً عام 1995م بخصوص السفارة الأميركية في القدس تضمن في البند الثاني من القسم الثالث على وجه التحديد الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة "إسرائيل".

في نفس السياق دعت واشنطن طاقمها الدبلوماسي إلى تجنب القدس القديمة والضفة الغربية، تخوفاً من أي ردة فعل فلسطينية، كما أقرت تجميد المساعدات للسلطة الفلسطينية بحجة استمرارها بدفع رواتب الأسرى.


تحديات القيادة الفلسطينية
الرئيس عباس يواجه معركة صعبة للغاية، قد تكون الأصعب منذ توليه رئاسة السلطة الفلسطينية، خصوصاً في ظل السياسة الأميركية الحالية التي أخرجت العداء المبطن للفلسطينيين إلى العلن، والتي تساعد "إسرائيل" وتحميها من كل القرارات الدولية، في سبيل تمكينها من نسف حلم الدولة الفلسطينية.



يخوض الرئيس عباس حرباً بلا هوادة في مواجهة المخططات الإسرائيلية والأميركية، ولكن التقلبات التي تعيشها المنطقة تجعل حرب الرئيس عباس صعبة للغاية، فماذا يمكن أن تفعل الجامعة العربية للقضية الفلسطينية في ظل انشغال الدول العربية في نزاعاتها وأزماتها الداخلية سواء في سورية أو العراق أو اليمن أو وليبيا أوغيرها، وما الذي يمكن استجلابه من الأمم المتحدة في ظل الفيتو الأميركي والاستهانة الأميركية والإسرائيلية بالأمم المتحدة والقرارات الصادرة عنها؟

على المستوى الدولي والأممي تمتلك إسرائيل تاريخاً طويلاً من الاستهانة بالأمم المتحدة والقرارات الصادرة عنها، والولايات المتحدة الأميركية التي تدّعي تمسكها بالقيم والمبادئ الدولية والديمقراطية وحقوق الإنسان، انسحبت من اليونسكو وهددت بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان، وقلّصت ميزانيتها في الأمم المتحدة ضاربة بعرض الحائط كل القرارات والمواثيق الدولية.

من جانب آخر، انسياق السعودية وراء الولايات المتحدة الأميركية وما عرضته على القيادة الفلسطينية من قبول أبوديس عاصمة عوضاً عن القدس، شكل ضربة قاسية للقيادة الفلسطينية، ويمثل إضعافا للركيزة العربية للقضية الفلسطينية التي تعاني بالأصل من التشتت والضعف.


خيارات المواجهة
في محاولة لفهم الخطة الفلسطينية الرسمية في المعركة المقبلة، كان المبعوث الفلسطيني للأمم المتحدة رياض منصور قد صرح في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2016، أن "القيادة الفلسطينية سوف تستخدم جميع الوسائل الدبلوماسية المتاحة في المنظمة الدولية حال قيام ترامب بنقل السفارة؛ التي من شأنها إحراج الدبلوماسية الأميركية في الأمم المتحدة ووضعها في مكانة مزرية". وأشار إلى أن "الفيتو الأميركي قد يعرقل الحصول على قرارات مجلس الأمن، إلا أن حياة الدبلوماسيين الأميركيين ستكون مزرية كل يوم، بتعجيل هذا الفيتو (الأميركي) على قبول فلسطين كدولة عضو في الأمم المتحدة".

مما سبق فإن القيادة الفلسطينية ستستمر في حربها الدبلوماسية في الأمم المتحدة والأروقة الدولية، ولا بد لها من تبني القوة الناعمة إزاء الولايات المتحدة وتجييش المؤسسة الإعلامية الرسمية وغير الرسمية وكل الهيئات الدبلوماسية في سبيل تعرية الإدارة الأميركية العنصرية، وإظهار وجهها الحقيقي الذي لا يمت لأي موقع أخلاقي بصلة.

لا بد للقيادة الفلسطينية أن تعيد حساباتها السياسية بما تتضمنه من رسم علاقاتها الدولية، وأن ترفع من مستوى العلاقات مع المعسكر المضاد للولايات المتحدة، وتحديداً روسيا والصين. وأن تتعدى الإستراتيجية الجديدة انتزاع العضوية من الأمم المتحدة، إلى تعميم المقاطعة لإسرائيل سواء بشكل رسمي أو غير رسمي، على الأقل عربياً.

يُنتظر من الأردن دوراً مركزياً مسانداً للمسيرة النضالية الدبلوماسية الفلسطينية، خصوصاً أنه يمتلك الوصاية على المقدسات في مدينة القدس، والتي تشكل أرضية جيدة للجهود السياسية والدبلوماسية والقانونية في سبيل مواجهة الأطماع الإسرائيلية في مدينة القدس وكشفها ومحاولة الحد منها.

إن دعم الجامعة العربية لميزانية الأمم المتحدة قد تخلق حالة إرباك وإحراج للدبلوماسية الأميركية، ولكن في ظل تخاذل السعودية وبعض دول الخليج، يكون هذا الأمر غير وارد من الناحية العملية، لأن ما تبقى من دول كمصر والأردن لا يمكن لهما خلق حالة دون اشتراك الرياض معهما على نفس الخط.

المطلوب من مصر أن تركز على الإسراع في إنجاز ملف المصالحة، حيث إن وحدة الصف الفلسطيني تمثل الخيار الذي لا مفر منه ومسألة حيوية في سبيل تعزيز الصمود الفلسطيني ومواجهة الغطرسة الأميركية والإسرائيلية.

المواجهة على الأرض الفلسطينية تحديداً في الضفة الغربية والقدس والمناطق المحتلة عام 48، وتعزيز صمود المواطنين فيها لا بد أن يكونا على رأس الأجندة الفلسطينية الآن، ولضمان استمراريتهما لا بد من تطوير منظومة حراكية لها قيادة ميدانية محددة تستثمر لمقاومة الاحتلال وكافة مخططاته كهدف استراتيجي.

في ظل التقلبات والمنعطفات الحادة التي تمر بها المنطقة، تبقى أقوى خيارات المواجهة المتاحة فلسطينياً إبقاء كافة الخيارات مفتوحة، خصوصاً أن القضية الفلسطينية أمام مفترق طرق وتحتاج من القيادة الفلسطينية إلى تبني خيارات مجنونة توازي على أقل تقدير الجنون الترامبي.