عن مسلسل "بدون قيد"

عن مسلسل "بدون قيد"

30 ديسمبر 2017
+ الخط -
منذ بداية الأزمة السورية، اختفت الدراما السورية من الشاشة العربية، وتحول العديد من نجومها إلى كل من القاهرة ودبي، وغيرها من الوجهات التي استقطبت هؤلاء النجوم، بعد شتات درامي عصف بهم مثلما عصف بالسوريين  في وقت اشتغلت ماكينة الحرب والاقتتال والتهمت الأخضر واليابس، عمراناً وثقافة وبشراً .

كما حجبت قرارات سياسية بسبب القطيعة مع النظام السوري الدراما السورية عن المشاهد العربي. أمور دفعت العديد من السينمائيين إلى العمل على نقل تجاربهم خارج الخطوط الحمراء، وعرضها بدون قيد، وهو الأمر الذي أفقد الدراما السورية خصوصيتها المحلية.

مسلسل "بدون قيد"، يمكن القول، إنه بداية جديدة للدراما السورية، بثلاث شخصيات تنقلب رأسًا على عقب، بمُتغيّرات مفاجئة جرت نتيجة موقف اتخذته. تعاني هذه الشخصيات الثلاث من آثار الحرب، كل منها على حدة، ولكل منها قصة، لكن النتيجة واحدة، حيث تلتقي الشخصيات الثلاث وبمحض الصدفة أيضًا، على الحدود السورية اللبنانية، بعد أن أخذت كل شخصية منها القرار بالرحيل والهجرة عن الوطن الذي أنهكته الحرب والمستفيدون من حالة الفساد السائدة.


بالعودة إلى القيود، فقد كان محتضن هذه التجربة مواقع التواصل الاجتماعي  كأول عمل درامي يسمح للمشاهد أن يختار طريقة العرض التي تناسبه بحسب أصحاب العمل، وذلك بعيداً عن القيد التلفزيوني وما يتبعه من رقابة. بحيث  يمكن للمتابع أن يتخذ زاوية رؤية معينة. من العقيد صاحب المهام البيروقراطية، وذي المبادئ وضغوط لوبيات المتاجرة بالهويات، أو من زاوية ريم المهندسة الزراعية وأم طفلة والباحثة عن هوية، بعيداً عن الظل الأبوي والمجتمعي الذي يجعل منها عنصراً تابعاً، أو كريم في شخصية المواطن المقهور على أمره، والذي يحاول العيش بـ"جنب الحيط"، حسب التعبير العامي العربي، إذ يحاول هذا الشاب العمل مدرساً خصوصياً، ومجابهة أمور الحياة رغم تعقيداتها، وأهمها بطش السلطة، رغم عزوفه السياسي والمجتمعي.
 
تمثّل هذه التجربة فسيفساء حقيقية للواقع السوري بين محاولة البقاء والعيش الكريم في ظل نظام سلطوي، وهو ما لا يخفيه أصحاب هذه التجربة.

"بدون قيد"، كنص درامي، خاض معركته مع الكاميرا وروّضها، و يمكن القول، إنه يسائل لغتها بأدوات بسيطة. يمكن القول، إن تجربة "بدون قيد" تحمل بصمة خاصة، تميّزها عن كثير من التجارب التي  ترسم سحابة قاتمة للواقع العربي.

العمل من إخراج اللبناني أمين درّة. كما يضم نخبة من الممثلين أبرزهم رافي وهبي ونادين تحسين بيك، علاء الزعبي، عبير حريري، محسن عبّاس و خالد حيدر.

يستحق هذا العمل الإشادة والتقدير لأنه عمل يخرج عن المألوف على ما يبث على الشاشة. ويفتح الشهية لرؤية تجارب جديدة نوعيّاً بعيداً، عن مقاسات العرض والطلب التلفزيونية الكلاسيكية.

لقد سمحَت مواقع التواصل الاجتماعي، وأهمّها "يوتيوب" لجيل جديد بتقديم تصوراته وتحقيق بعض أحلامه، وتبيان علو كعبه بعيداً عن فكر تلفزيوني متكلس في الزمان والتفكير، في عهد أصبح فيه المستحيل ممكناً.
5123E660-4CC8-483E-89F5-33AE186CE52E
أسامة طايع

باحث جامعي متخصص في الدراسات السياسية والدولية من المملكة المغربية.