الجنرال والأركيولوجي و"سكة حديد"

الجنرال والأركيولوجي و"سكة حديد"

21 ديسمبر 2017
+ الخط -
نشر في جريدة "العربي الجديد" يوم الجمعة 15 ديسمبر/كانون الأول نقلا عن وكالة فارس -الوكالة الرسمية للجمهورية الإسلامية في إيران- خبراً مفاده أن مساعد قائد الثوة الإيرانية الجنرال يحيى رحيم صفوي قائد الحرس الثوري من عام 1997 حتى 2007 أعلى جنرالات الثورة في سلم الرتب العسكرية قد عبر عن حماسه وتأكيده على ضرورة بناء سكة حديد تربط العمق الإيراني بالعراق وسورية ولبنان، موضحاً أن الخط الحديدي يجب أن يصل أيضاً إلى الساحل السوري في مدينة اللاذقية، وبرر ذلك بأن سكة الحديد المنوي إنشاؤها ستساهم في تحقيق تقدم اقتصادي بين البلدان "الإسلامية".

لندع الحاضر للحاضر، في الماضي وفي رقعة جغرافية قريبة لخط "سكة حديد الجنرال صفوي" خطط أيضاً لبناء سكة حديد لربط بغداد بالسلطنة العثمانية مروراً بإمبراطورية النمسا المجر وصولا الى برلين عاصمة ما عرف آنذاك بالإمبراطورية الألمانية أقوى اقتصاديات أوروبا، وأكثرهم شهية للتوسع والتمدد، الخطة التي أعلن عنها عام 1903 كان من شأنها ربط اقتصاد ألمانيا بالدولة العثمانية المتهالكة، لما فيه خير اقتصادي وفير لكلا البلدين وانتعاش تجاري لهما ولجميع الدول التي تستضيف أراضيها جزءاً من سكة الحديد، وبعد نجاح ألمانيا في الفوز بامتياز بناء السكة، بتمويل دويتشه بنك وتنفيذ شركة "فيليب هولمز" التي كانت قد نفذت في السابق مشروع سكة حديد الأناضول، عدل المشروع ووسع ليصل إلى ميناء البصرة لبناء مرفأ تجاري ألماني ضخم على الخليج الفارسي هدفه الوصول الى حقول النفط في العراق وبحر الهند والاستفادة من التجارة بين القارة الهندية ومستعمرات ألمانيا في شرق إفريقيا وتفادي الاحتكاك مع فرنسا وبريطانيا في قناة السويس.


السلطنة التي أغراها المشروع وكانت بحاجة لدعم اقتصادي وتجاري وجدت في السكة طريقاً مباشراً لمد شرايينها إلى البحر الأحمر وقناة السويس التي كانت تحت سيطرة المصالح البريطانية والفرنسية والتعويض عن الخسائر التي لحقتها منذ نهاية القرن التاسع عشر في شمال إفريقيا، المشروع الضخم بطبيعة الحال وجد معارضة فرنسية بريطانية بحجة أن ألمانيا تخطط للتوسع داخل أراضي السلطنة وإثارة القلاقل ضدهما والسيطرة على مستعمراتهما في إفريقيا والهند.

كلفت ألمانيا آركيولوجي ومستشرق يدعى ماكس فون أوبنهايم للإشراف على مشروع سكة الحديد على الحدود التركية السورية اليوم، أوبنهايم والذي دعي بلقب "أبو الجهاد الإسلامي" يتمتع بخبرة واسعة في الدراسات الإسلامية مكث في مصر لمدة طويلة ونصح القيصر باستخدام "الإسلام" لدعم انتفاضات إسلامية ضد الإنكليز والفرنسيين في كل من البلاد العربية وفارس والهند، عانى المشروع الألماني من صعوبات تقنية في بعض المناطق، وأوقف نتيجة الحرب العالمية الأولى، وألغي في النهاية نتيجة سقوط بغداد والبصرة بيد الإنكليز وطردهم العثمانيين من بلاد ما بين النهرين، أي بمعنى آخر انتهى طموح ألمانيا وانتهى أمر السكة.

إيران اليوم تشبه ألمانيا في الماضي، تنفذ مشاريع طموحة، تمد الجسور، تحفر الأنفاق، وتبني سكك حديد للربط التجاري والاقتصادي، لا أحد يعلم كيف وأين سيبدأ العمل على مشروع سكة حديد الإمبراطورية الإيرانية، ولا أحد لديه تصور عن مصير مشروها الجموح.

على أية حال هذه الإمبراطوريات أمرها غريب، لا تكف عن بناء سكك الحديد، وغريب أمر "سكك الحديد" فلا يوجد بديل عنها في إيصال الإمبراطوريات إلى ما شاء الله.
14590B9F-4497-4119-BD15-225F9203B7F9
أمين نصر

كاتب وباحث لبناني حائز على إجازة في إدارة الأعمال ويدرس حاليا في معهد العلوم الإجتماعية في الجامعة اللبنانية، له عدة مساهمات في جرائد لبنانية ومواقع إلكترونية مهتم بالدراسات التاريخية والأبحاث.