نصيحة: لا تكن جاداً بين الساخرين

نصيحة: لا تكن جاداً بين الساخرين

03 نوفمبر 2017
+ الخط -
حينما أحدثكم عن أصدقاء أيام الشباب فهذا يعني أنني أتحدث عن أصدقاء أكبر مني سناً. وللتوضيح: هم كانوا في السابق أصدقاء أشقائي الكبار طارق وعمر ومالك الذين يكبرونني من عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة.. والسر في ذلك أننا نحن الإخوة كنا أصدقاء في ما بيننا، نسهر مع بعض ونتمازح ونتضاحك غير مبالين بفروقات العمر بين طارق المولود سنة 1937 وصولاً إلى إقبال المولود 1963. 

على سبيل المثال حينما رآني شقيقي عمر جالساً في المقهى مع صفوان عاشوري قال له: يا صفوان أنت صادقتنا جميعاً، وبالدور، ما بقي عليك غير أنك تمشي مع أخي دريد.. 

وهذه النبوءة تحققت بالفعل، إذ أصبح صفوان ودريد في ما بعد صديقين حميمين.  

وكان صديقنا محمد عيدو، أساساً، من أصدقاء شقيقي مالك، ومنذ اللحظة التي تعرفتُ فيها عليه أصبح من أقرب الناس إلي. وفي يوم من الأيام مازحه صديقنا ظافر الشب قائلاً مع ضحكة طويلة تشبه تشحيط الفرامات: أنت يا عيدو جدي. فقال لي عيدو عبارة تبين أنها صحيحة وهي: حط في اعتبارك أن لقب (الجدّي) راح يلبسني لبس، لأن ظافر قال "عيدو جدي" وفلت الضحكة تبعه وعلاها لآخر عيار. 

بالفعل فقد كان عيدو جدياً رغم انخراطه في "شلة الهزليين". كان يحفظ ما فتح ورزق من الأحداث الفنية والشعرية والتاريخية وكلمات الأغاني السريعة الصعبة، مثل "المنبوطية"، وكلمات شارات المسلسلات التي كان يكتبها الشاعر الكبير سيد حجاب. وكان يحب المزاح واللهو شريطة الا يؤدي ذلك إلى مواقف بايخة.. ومع أنه حاز على شهادة عليا في الجغرافيا إلا أنه لم يكن يفلح في الحصول على وظيفة ثابتة.. بل كان يشتغل في اتحاد الفلاحين بعقود مؤقتة، والطريف في الأمر أن اتحاد الفلاحين كان لا يدفع له رواتبه إلا بعد مضي عدة أشهر، شريطة أن يرفع عليهم دعوى قضائية.. وكان شقيقي عمر يمازحه قائلاً: 

- يا عيدو الدولة أفلست من كثر ما رفعتَ عليها دعاوي!

لو انتقلنا إلى عالم الهزل قليلاً لوجدنا محمد عيدو في مطلع شبابه يبحث عن وظيفة برفقة مجموعة من أصدقائه ومجايليه كان بينهم كل من قدور كردو وأحمد فتح الله. وكانوا يتقدمون لما يعرف باسم (مسابقة انتقاء موظفين) وينتظرون أياماً حتى تطلع النتيجة ويتبين أنهم جميعاً راسبون! 

الخلاصة أن "قدور كردو" تولّدتْ لديه قناعة هزلية تشبه قناعة ظافر حول جدية عيدو، وهي أن مجموعتهم كلها كانت ترسب في المسابقة بسبب (نحس عيدو)، مع العلم أنهم، جميعاً، كانوا، في تلك الأيام، مناحيس. 

حدثني محمد عيدو قال: في يوم من الأيام كنت في البيت، قرع الباب، فتحت، وإذا بقدور كردو قادم لزيارتي. رحبت به وقلت له: خير؟ 

قال: في مسابقة للتوظيف في البريد. وأنا هذه المرة أريد أن أتوظف.

قلت له: توظف. أنا ماسكك؟

قال: لا والله مانك ماسكني، لذلك أنا لي عندك رجاء صغير.

قلت: خير؟

قال: لا داعي لأن تقدم أنت طلباً هذه المرة، فإذا تقدمت سيحل علينا نحسك ونرسب جميعاً.

ضحكنا أنا وعيدو عالياً، وبعدها قال لي: المشكلة أن قدور وقتها كان جاداً لأبعد الحدود. فيا حبذا لو تسأل ظافر: 

- عيدو جدي؟.. ولا قدور كردو هو الجدي؟!!!!    

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...