رسالة إلى الذين هبطوا من السماء...

رسالة إلى الذين هبطوا من السماء...

20 نوفمبر 2017
+ الخط -
يُدمي قلب كلِّ شابٍ موهوب أن يرى إعراضًا ممن بأيديهم الحل والعقد، وبإمكانهم دفعه للأمام اعتمادًا على مهاراته وقدراته. هو لا يطلب منهم أن يرفعوه فوق مكانته، ولا أن يمكنوه مما لا يستحقه وإنما يسعى لفرصةٍ يثبت بها نفسه.

هذا ليس غريبًا في دنيا الناس؛ فقبل سنين طويلة اكتشف أمير الشعراء، أحمد شوقي، الفنان الشاب، محمد عبد الوهاب، الذي أصبح في ما بعد موسيقار الأجيال. وقبل سنوات كتب طالب بكلية الحقوق مقالًا قرأه أستاذه الجامعي عطية الإبراشي؛ فدخل الإبراشي المدرج ونادى على الطالب وقال له: اقرأ مقالك على زملائك. كان مقالًا عاديًا وليس من روائع شكسبير الخالدة، لكن الأستاذ الجامعي الألمعي نفخ في روع الطالب لمحةً من التشجيع غيَّرت حياة هذا الطالب.

بعد سنواتٍ قلائل كان الطالب الذي قرأ مقاله على زملائه في مدرج الحقوق، هو ذات الشخص الذي كتب "حسن القرنفلي" أول قصة مسلسل إذاعي، إنه يوسف جوهر. ذكر يوسف جوهر أن تشجيع أستاذه الجامعي لم يفارق ذهنه مطلقًا، وكان حافزًا إيجابيًا لا يوصف. وربما كان ذلك دأب الكبار قبل ذلك! فمع أننا نعيش الآن زمن التكنولوجيا السريعة، إلا أن الشباب قد يُرسل رسالة هاتفية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي -وما أكثرها- لأحد من يتوسم فيهم قدوة، ويرجو منهم نُصحًا أو توجيهًا ليس إلا، ومع ذلك يبخل هؤلاء بخل سهل بن هارون بالنصيحة.

العجيب في الأمر أن هؤلاء عندما يظهرون في الشاشات يتحدثون عن فضل من اكتشفوهم وساعدوهم في أول طريقهم؛ فإن طُلِبَ منهم نصيحة أو توجيه، تعاملوا مع الشباب وكأنهم هبطوا من السماء!

أليس من واجب الكاتب أو الأديب أو الشخصية التي تسعى لإحداث تغيير إيجابي في المجتمع أن ينصح من يبحث عن الدرب؟ أم أن هؤلاء يفهمون ذلك لحظة وجودهم على الشاشات فقط؟!

النصيحة التي يضن بها الذين هبطوا من السماء تحمل في طياتها مفارقة غريبة؛ فأنت ترى الجميع يستخدم وسائل التواصل ليل نهار، ومع ذلك يبخل بدقيقةٍ من وقته لإرشاد الشباب الذين سيحملون لواء التغيير والنهضة في كل المجتمعات. يضاف لذلك عامل آخر ممثلًا في الوفرة وانعدام التكلفة المادية، ولنقف على هذا العامل يطيب لي التذكير بموقفٍ لأمير القصة العربية، الدكتور يوسف إدريس.

كتب أحد الشباب الجدد في دنيا الأدب رسالةً لإدريس يطلب منه التوجيه والنصح في ما يكتبه؛ جاء الرد من إدريس على الشاب وقد أثنى على طريقته في الكتابة وكتب له مجموعة من النصائح. احتفظ الشاب بهذا الخطاب ثم نُشرت له قصة قصيرة على عددين في مجلة تدعى الأسطول، وكانت دهشة الشاب حين وصله خطاب مسجل بعلم الوصول من يوسف إدريس أثنى فيه على القصة، وطلب منه تحويلها لرواية. كانت حماسة الشاب لهذا الخطاب وما يحمله من تحفيز وتشجيع لا توصف؛ فكتب الرواية في خمسة عشر يومًا وظهرت الرواية التي ربما قرأتها وهي (زقاق السيد البلطي)، وأصبح هذا الشاب لاحقًا رائدًا لأدب الجاسوسية.

كتب إدريس الخطاب ودفع رسوم البريد ليشجع شابًا يتلمس معالم الطريق، واليوم تكتب لأحدهم رسالةً على "واتس آب" أو "فايبر" أو غيرهما من تطبيقات التواصل الحديثة، ويراها وكأنه يقرأ ولا يكتب!

هؤلاء الذين احترفوا التنظير وينظرون لكل مبتدئ على أنه لا يستحق شرف تشجيعهم، ليت أحدهم يتذكر كيف بدأ؟ وهل هبط من السماء؟ أم أن هناك من ساعده ووضعه على الطريق؟ فليتقوا الله في الشباب.