اللولو أيام حافظ الأسد

اللولو أيام حافظ الأسد

13 نوفمبر 2017
+ الخط -


أحياناً، حينما أتحدث عن حياتنا في سورية، يخطر لي أن أوضح أن هذا حصل على أيام حافظ الأسد.. ولكنني أتراجع لقناعتي بأن هذا التوضيح لا لزوم له، فنحن خُلِقْنا، وكَبرنا، وتَرَعْرَعْنا، وسوف نموت ونُوَارَى الثرى على أيام حافظ الأسد ووريثه المهتزّ. أين المفر؟

المهم، على أيام حافظ الأسد كانت تحدث أشياء غريبة، أشياء أنظر إليها الآن فأجدها مسلية. مثلاً، في زمان ما، وأنا جالس على شرفة منزلي بحي البيطرة في إدلب، أصبحتُ أرى رجالاً ونساءً يعانون من التهابات بالمفاصل، واحديداب في الظهور، يأتون من الغرب، ويذهبون شرقاً، بعضهم يمشون على العكاكيز، وبعضهم الآخر يصحبهم ذووهم، أو يضعونهم في دراجات ذات ثلاث عجلات، وكلما مشوا بضع خطوات يتوقفون ليضع الواحد منهم حبةَ توسيع الشرايين تحت لسانه، أو ليضع بخاخ الربو في فمه ويأخذ منه بَخَّتين.. وبعد ساعة أو أكثر أراهم عائدين من الشرق باتجاه الغرب، بنفس الطريقة العسيرة في المشي والتحرك.

فلما سألت، وتقصيتُ عن سر هذه الظاهرة، قيل لي إن هؤلاء المعلمين يعانون من أمراض مزمنة، وعلل دائمة، وكان كلّ واحد منهم، قبل اليوم، يذهبُ إلى أحد الأطباء المعتمدين من قبل نقابة المعلمين، فيكتب له وصفة دائمة تحتوي على الأدوية التي يجب عليه أن يتناولها مدى الحياة لكيلا يموت هكذا، بسهولة.. ويجري تجديدُ هذه الوصفة مرة كل ستة أشهر، وتبقى الأمور ماشية على هذا المنوال إلى أن يحين أَجَلُ الواحد منهم، فينقطع نصيبه من الحياة ومن أدوية النقابة... يرحمه الله.

ولكن، فجأةً، خطر لنقابة المعلمين إجراء تغيير في الروتين على قدر كبير من الغرابة والخنفشارية، إذ إنهم كتبوا ورقة علقوها في بهو النقابة يطلبون فيها من أصحاب العلل والبلاوي الزرقاء مراجعة اللجنة المشكلة لهذا الغرض في نقابة الأطباء، ليأتوا بوصفاتهم الدائمة من هناك بدلاً من الطبيب المعتمد. 

رضخ المعلمون المرضانون لهذا الأمر الواقع، وتحاملوا على أنفسهم، واستعانوا بأقاربهم وذويهم، وذهبوا إلى النقابة التي تقع إلى الشرق من بيتي، وسألوا الموظف المناوب هناك، فقال لهم: 

- عن أي لجنة تتحدثون؟ أنا لم أسمع بهذه اللجنة إلا منكم.

وبعد شد ومط، وتغريب وتشريق، وتعذيب حقيقي لهؤلاء المساكين، تفتقت الذهنية الخنفشارية عن حل لا يقل غرابة عن سابقه، وهو أنهم صاروا يأتون بالطبيب الذي يريدون أن يُنَفِّعُوه بكم ألف ليرة، في ساعة محددة إلى النقابة، ويأتون بهؤلاء المساكين ليتعاينوا على يديه، ويدفعوا له نقوداً، وهذا الطبيب العجيب يكتب للمرضانين نفس الوصفة التي كانوا يستخدمونها سابقاً! لا بل إن الطبيب يأخذ وصفاتهم القديمة، وينقلها إلى وصفة جديدة، دون أي زيادة أو نقصان! 

أي والله هيك.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...