"المركز العربي" و"العربي الجديد"… أوجه التخلف بالتحريض

"المركز العربي" و"العربي الجديد"… أوجه التخلف بالتحريض

10 نوفمبر 2017
+ الخط -
أيّاً تكن مبررات إشاعة العمل التلصصي والتحريضي المنتشرة في جغرافيا صناعة الخوف وأوطان خائرة أمام كل هزة بسيطة، فإن التدافع اليوم هو بين التخلف والوعي، والظلام والتنوير.

لا يبدو أننا أمام جديد في ذهاب يوسف العتيبة كسفير"عربي"، بالاسم واللسان والهيئة، وفي الوصف نبتعد عن أدوات ولغة براميل القمامة، التي يغرف منها ذباب لم يقرأ يوما ولا أقصوصة بسيطة لعزمي بشارة، أو ما يصدر عن المركز العربي، إلى ممارسة ثقافة التجسس والتلصص والتحريض.

تلك "ثقافة" لم نراجع مخاطرها مرة واحدة، منذ أن اختارتها أنظمة ترى في الكلمة والوعي والتنوير كابوسا وهزيمة ومقتلا.

لندع قليلا التحريض على الدكتور عزمي بشارة و "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" جانبا، إذ يبدو أن كابوس الكلمة اقتضى بالضرورة أن تجد صحيفة وموقع كـ"العربي الجديد" نفسها، بعد قليل من صدورها قبل نحو أربعة أعوام، أمام "حظر" استدعى أكثر من مرة الخوض في بدائل "الموقع البديل"، بأكثر مما تجده لدى أمة أخرى من أمم الأرض، لحاقا ولهثا لمنع الكلمة.

وإلى أن استكمل الرقيب فتل شاربه، وما بين أصابع قدميه، ولعباً صبيانيّاً بالمقص، مستعرضا جهل ورعب أسياده في "حظر" هذا وذاك من المواقع البديلة، في فضاءات لم تخترع لأجل توسيع براميل القمامة وانتشار الذباب، متغذيا عليها بلغة تعكس "ثقافة المشغلين"، وجدنا أنفسنا على لائحة "13 مطلبا" ليكشف هؤلاء عشقهم لغرق أمة "إقرأ" في أمية كل المستويات.

من بين المدهشات، في الخوف من الوعي، تلاقت أنظمة كراهية التنوير والوعي، بشقيها الثيوقراطي والجمهوملكي، مدعي العلمانية، على نشر المزيد من براميل القمامة والغرق في التخلف، مضافاً إليه تجنيد "طوابير" مدعي الثقافة في مسيرة  تمكين التخلف وخنق الحريات، بحجة "محاربة المؤامرة"... فكل شيء في حياتنا "مؤامرة"... وفيها يصير الطابور مجرد ممسحة على عتبة الحاكم، ومنشفة ليدين تقطران دما.

 لا غرابة إذا، أن تنتج بيئة "ثقافة" التلصص والتحريض حلال رذيلة النميمة والتجسس، المنهي عنها دينا وخلقا، لمصلحة من يتربصون بـ"الأمة". والعجيب في كل هذه البيئة أنها لا ترى مشكلة في استعادة مشهد العربي في هوليوود القرن الماضي، دون خوض في تفاصيل صورتنا المخزية على الشاشة.

 بماذا يفسر ذهاب "سفير علماني، عصري، ليبرالي منفتح"، وفي الأخيرة على كل شيء، إلا على أخيه، الذي يحفر له بالتصهين والرذائل، وشهقة "فيفا لا فرانس"، إلى التلصص والتحريض على المركز العربي للأبحاث؟

 ببساطة شديدة، إن انكشاف تراكم ثقافة التلصص، أمام جمهور يمنع عنه كتاب وصحيفة، لمصلحة "الأشقاء الأميركان والإسرائيليين"، يعني أن الوعي فعلاً مرعب، وفي طريقه الصحيح، ما استدعى كل هذا التكالب.

 لكن، على الجانب المذهل لانكشاف التغذي على براميل قمامة الجهل والتخلف، أن ترى اندماجا دالا على الرعب عند معسكري "الممانعة" و"التهافت" من الفكر. كيف لا، وقد شهدت بنفسي في العاصمة تونس في أغسطس/آب 2016 كيف يهاجم "الذباب التقدمي/اليساري/القومجي" مؤتمرا حول استراتيجيات المقاطعة بحجة أنه "مؤتمر تطبيعي"؟ وما يكشفه التحريض على من يبحث عن استراتيجيات هذه المقاطعة، ودور المركز العربي في الحياة الأكاديمية العربية.

من الجيد لنا، نحن الجمهور البسيط، أن نكتشف المزيد من ضحالة مواجهة الفكر باتهامات واختلاق روايات خرافية، ركيكة وسطحية، بحثا عن بوصلة الغرب وطرق إرضائه بالتحريض على عربي آخر.

الجيد في الانكشاف، أنه يشير أيضا إلى توسع بقعة زيت الوعي، ومعرفة واضحة بمن يريد لهذه الأمة أن تبقى غارقة في الثرثرة وتمجيد دول التلصص ليحيا نهابو الأوطان بسعادة. وليعرف الإنسان العربي اليوم الفرق بين بناة السجون والمعتقلات، ومن يعمر أوطانا أو يقدم فكرا ومعاهدَ وجامعات، تتجاوز إغراق المجتمع في نميمة التخلف و"اختراع الكفتة والوحش".

ورغم ذلك، ثمة مآخذ كثيرة تقع على عاتق من يُصنف في خانة "مثقفي ونخب الأمة". فمن يعتبر نفسه جزءا من معسكر الوعي لا يمكنه أن يكون جنديا، أو فاصلة في جملة نشر الجهل، برضاه أو مرغما، تحت طائل سؤال "المعيشة".

 من يصمت اليوم، كما صمت في الأمس، على الإمعان في الاصطفاف مع مال "نشر القذارة وتبييض صفحة الأنظمة"، بدواعي "بدنا نعيش"، لا يمكنه أن يبيع الناس مواقفَ، لا عن هوية ولا دور الثقافة والمعرفة، أو حتى عن تجاربنا وتجارب الآخر في النهوض نحو مستقبل آخر.

ومن بين هؤلاء، تلك الثلة التي ارتضت لنفسها أن تكون في معسكر تشويه الحراك الشبابي العربي، واتهام من وقف مع الثورات العربية بـ"التآمر" فقط لحماية امتيازاته، ومؤخرات مافيا الحكم، هنا وهناك.

الواضح اليوم، في انكشاف هذه الهجمة التي تستهدف الكلمة والفكر، أننا لسنا أمام حالة ناشئة، بل هي محبوكة ومشغول عليها منذ سنوات، وعقود، والحد الفاصل ها هنا، بين التخلف والوعي، والظلام والتنوير، والحرية والعبودية، وبين البحث الأكاديمي وبراميل القمامة، لغة وفكرا ومسارا وهدفا.