في مخيمنا كردي

في مخيمنا كردي

05 أكتوبر 2017
+ الخط -
في صدر منزله، علق صورة كبيرة لعبدالله أوجلان (مؤسس وأول قائد لحزب العمال الكردستاني). في واجهة محله الصغير علق نسخة عن الصورة نفسها إضافة إلى صورتين أصغر لغسان كنفاني وجورج حبش. لم تنجُ "البورتكليه" أو زجاج السيارة من صورة أوجلان أيضاً. تفاصيل يومياته مرتبطة بعرقه الكردي، حتى أن الناس ينادونه أبو أحمد الكردي.

أتى أبو أحمد في أوائل السبعينات إلى لبنان من جبال قنديل ليقاتل مع الثورة الفلسطينية، وبقي في الجبهات في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إلى أن استقر في أزقة مخيم برج البراجنة. لم يجد معيلاً كافياً له ولأولاده، فافتتح بقالة صغيرة يعتاش منها. كان دائم الابتسام، وخط التنقل وضنك العيش خطوطاً جعداء في وجهه وعلى يديه. لغته العربية أتقنها بلهجة فلسطينية قاسية أقرب إلى اللغة الكردية. الجميع يتجنب النقاش معه، فهذا "عقله كردي" لأنه يتمسك برأيه حسب ما أشيع عنه.

كانت قدماه لا تحملانه جيداً، فإحداهما اخترقتها رصاصة وبعض شظايا أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. لكنه كان يشارك في مسيرات الكرد في بيروت ولا سيما في عيد "النيروز"، ويرفع العلم الكردي ويهتف "أزادي"( أي الحرية) و"أن شمس الكرد ستشرق". علّم أولاده الثلاثة حُب فلسطين قبل كردستان، علمهم اللغة العربية قبل الكردية، ودرسوا معنا في مدارس الأونروا.

كان عام 1999 مفصلياً بالنسبة له، فاختطاف أوجلان في كينيا واقتياده إلى تركيا أثر فيه كثيراً وجعله شريد الفكر وحائر التفكير. وعند الدخول إلى محله يستمع إلى الأخبار من راديو صغير ليعرف ماذا يحصل أو سيحدث؟ وكان صوته يعلو في حديثه مع الأصدقاء حول القضية الكردية واعتقال أوجلان، وينفعل كثيراً إذا لم يتعاطف معه المجتمعون. 

قرر بعد ذلك ترك المخيم والعودة إلى دياره، قال حينها، إنه سيقاتل حتى استعادة الحقوق ومن ضمنها الإفراج عن أوجلان.

رحل العم أبو أحمد الكردي، ومنذ ذاك الوقت لا يُعرف عنه شيء. لا يُعرف إن كان مع استفتاء انفصال كردستان العراق، اليوم، أو ضده؟ لكن الأكيد أنه كره إسرائيل وقاومها وجعلنا نحب الكرد وقضيتهم وتربينا على ذلك. أما رؤية الأعلام الإسرائيلية في أربيل لن يغير محبة الفلسطينيين لمن وقفوا معهم في أوقات صعبة، ولأن من يرفعونها، الآن، لا يعرفون كم كردياً قتلت إسرائيل في صفوف الثورة الفلسطينية ولم يقرأوا التاريخ جيداً، ولو من ضمن حقوقهم تغيير الجغرافيا.

دلالات

صمود غزال
صمود غزال
صحافية فلسطينية لاجئة في لبنان. من فريق موقع العربي الجديد قسم السياسة.