"شيخ جاكسون".. الرقص في المساجد لا يصنع فيلماً جيداً

"شيخ جاكسون".. الرقص في المساجد لا يصنع فيلماً جيداً

14 أكتوبر 2017
+ الخط -
توسمت في التجربة خيرًا، نظرًا للبروباغندا الإعلامية التي أثيرت حولها من ناحية، خاصة بعدما أعلن المخرج عمرو سلامة عن ترشح الفيلم للمسابقة الرسمية للأوسكار، ولأن صاحب التجربة هو عمرو سلامة الذي أحسبه مخرجًا مميزًا وصاحب رؤية خاصة به من جيل الشباب الحالي من ناحية أخرى، بالإضافة لأسماء النجوم المشاركين في العمل ممن أثق في اختياراتهم وقدراتهم التمثيلية، إلا أن فيلم "شيخ جاكسون" جاء صادمًا على المستويات كافة، للأسباب التي سنستعرضها سويًا في السطور التالية.

عندما شاهدت الإعلام التسويقي للفيلم في البداية، دهشت وتساءلت عن سبب مرور الفيلم من براثن الرقابة المصرية التي تمنع كل ما يتعارض مع ما تسميه "قيم المجتمع" أو يوجه انتقادات مباشرة للحكومات ويتناول قضايا سياسية أو يتطرق إلى قضايا دينية شائكة وتساؤلات مغمورة في العقول غير مسموح لها بأن تخرج للعلن، توقعت أن يكون الفيلم صادمًا "اجتماعيًا" وليس صادمًا على المستوى الفني كما رأيت.

كانت الأحداث القليلة التي تمحور حولها الفيلم بطيئة للغاية ومملة بدون مبرر درامي يستدعي ذلك، وتمحورت حول شخصية واحدة، تلك التي جسدها أحمد الفيشاوي بالتقاسم مع أحمد مالك، وفي نظري لم يعطيا الشخصية قدر حقها، وإن كان الفيشاوي متفوقًا على مالك في عدد من المشاهد، خاصة تلك التي قلد كل منهما مايكل جاكسون فيها، وباقي الممثلين بالإجماع إذا استثنينا منهم ماجد الكدواني ومحمود البزاوي، فلا أداء تمثيليا يذكر، ولا أي وظيفة درامية مهمة لهم، ويتحمل تلك المشكلة المؤلف والمخرج عمرو سلامة في الأساس، لأنه لم يفرد المساحة لكل شخصية في السيناريو الخاص به لإظهار القدرات التمثيلية، حتى ظهرت المشاهد باردة بلا أي مشاعر ولا أي أهمية درامية وكأنها لو نزعت من الفيلم نزعًا فلن تؤثر في سير الأحداث ولن تسبب خللاً دراميًا، ويتحمل كذلك أن الأداء التمثيلي جاء باهتًا للغاية، فإذا نزعت الكدواني والفيشاوي والبزاوي من الفيلم، فلن تجد دورًا يستحق أن يُشاد به أو أن تشير إليه بالأصابع وتقول "انظر إلى هذا الأداء الصادق".

واختيار الممثلين كذلك لم يكن مقنعًا، فتسكين دور الزوجة لأمينة خليل التي نلاحظ اهتمامها بمظهرها وبوسائل التجميل ما يتعارض مع الدور الذي تقدمه كزوجة منتقبة متدينة، وكذلك اختيار ممثلة جميلة للغاية في نظر الجمهور لتمثل دورًا لزوجة رجل لا يجد هويته ويبحث في ماضيه عن امرأة كان يحبها، ويختلس النظرات إلى النساء في بعض الأحيان، اختيار سيئ بكل تأكيد، لأن ما يأتي ببال المشاهد في تلك اللحظة، لماذا لا يكتفي بزوجته الجميلة الودودة المطيعة؟!

يبحث الفيلم عن أزمة الهوية، والتناقضات الفكرية والشخصية، وكذلك التعصب الديني الأعمى، والتفرقة بين ما هو واقر في القلب وما هو ظاهر للعامة، وفي تلك الجزئية جاء التناول والطرح ضعيفًا كما الحوار الذي يهدف إلى السخرية من أفعال المتشددين الساذجة، فسخر منها بطريقة أكثر سذاجة، أو يهدف إلى إظهار الاضطرابات النفسية التي يمر بها البطل، فأظهرها بشكل مراهق بلا داعِ وبأفعال غير ممنطقة، كذلك المشهد الذي قرر فيه البطل الاعتداء على حبيبته القديمة وتقبيلها جبرًا دون دافع مقنع أو تقديم مناسب.

وبدلاً من أن يظهر الفيلم التشدد والتعصب الديني من خلال بعض الأفعال البسيطة بلغة الصورة كما تفعل السينما، اختار أن يكرر نصوصًا دينية على ألسنة الأبطال يختلف عليها المتدينون أنفسهم فيما بينهم، فبنظري لو وضعنا مقارنة بسيطة بين شيخ جاكسون وفيلم مولانا المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب إبراهيم عيسى، نجد أن الكفة ترجح بشدة لصالح مولانا الذي يشتبك مع أغلب الأطروحات التي يقدمها جاكسون من حيث أفكار التشدد والتناقضات الفكرية والتساؤلات الدينية المحرمة وغيرها من المسائل الملتبسة.

ومن جانب الصورة فهي لم تقدم أي جديد يذكر، بل يؤخذ عليها تلك المشاهد التي لجأ فيها المخرج إلى تقنيات "الكروما" ومشاهد "الغرافيك" ربما كان من الأفضل استبدالها بمشاهد أكثر واقعية وبساطة بدلاً من هذا الخيال الباهت والتنفيذ الرديء، كما أظهر الفيلم ميول المخرج لتقديس الفن والغناء وإظهاره في صورة غير محرمة دينيًا. وفي المقابل، لم يفرد المساحة لإبراز هذا الفن في مشاهد الفيلم، بل حتى بطلة الفيلم التي تهوى الموسيقى والغناء لم يوفر له وقتًا إضافيًا لأداء أغنيتها كاملة، واكتفى بالأغنية كخلفية لتتر النهاية، ولم يستعن بالمزيكا لإثراء مشاهد الفيلم التي كان يجب أن تكون ملازمًا أساسيًا كعلامة لميله نحو تقديس الموسيقى.

ربما إحدى الإيجابيات القليلة التي نذكرها في الفيلم هو كسره لبعض الأنماط والقوالب التي تعودنا عليها سواء في المجتمع أو السينما، بإبرازه سذاجة بعض رجال الدين المتشددين أو جهلهم بما يتشدقون به على المنابر، وفي نفس الوقت استعراض الصراع النفسي الذي قد يصيب شخصًا متدينًا لكي يهاجمه الماضي ويصيبه بهلاوس سمعية وبصرية أثناء أدائه للشعائر الدينية لدرجة أن يرى رجالًا يرقصون خلف "جاكسون الحقيقي" في المسجد، ولكن مثل تلك المشاهد التي قد تكون صادمة لبعض المشاهدين إذا لم تُستغل بداخل قصة جيدة وحبكة درامية غير هشة وأحداث قوية ممنطقة وأداء تمثيلي مقنع وصورة مميزة تدعم كل ذلك، تصبح لا قيمة لها على الإطلاق، فليست المشاهدة المنفردة الصادمة ما تصنع عملاً سينمائيًا جيدًا.

ربما عمرو سلامة تخوف من الهجوم المجتمعي الذي قد يعترض إذا ما طرح أفكاره بصورة أكثر وضوحًا، وربما لم يمتلك الأدوات التي تجعله يقدم عملاً أكثر نضجًا، وربما تخوف من بقاء الفيلم داخل أدراج الرقابة فتنازل عن بعض الأطروحات، لا أدري بالتحديد، ولكن ما اعرفه جيدًا أن شيخ جاكسون لم يقدم لي كمشاهد أي فائدة تُذكر أو فكرة جديدة أو على الأقل كادرا سينمائيا مميزا.

9628E6BB-A80A-49AD-9AB2-C39BB427817E
مصطفى الأعصر

خريج كلية الإعلام 2013، يعمل بالصحافة منذ عام 2009، كتب للعديد من الجرائد والمجلات والمواقع المصرية والعربية، شارك في كتابة وإخراج عدد من الأفلام القصيرة. يعمل بالتعاون مع مراكز بحثية حقوقية.

مدونات أخرى