حكاية للأطفال الكبار قبل النوم

حكاية للأطفال الكبار قبل النوم

14 أكتوبر 2017
+ الخط -
في قديم الزمان، جاء إلى مدينة إدلب شمالي سورية قاضٍ جديد متشبع بقيم النزاهة والشرف والأخلاق الحميدة. تَلَقَّاهُ رجلٌ يعمل في بيع الخضر والفواكه بالترحيب والتأهيل والتسهيل، وشرح له أن أهل هذه المدينة يحبون الضيوف بشكل عام، فكيف إذا كان الضيفُ صاحبَ علم وثقافة وأدب وعَدل مثلكم؟ وبعد مدة استأجر القاضي بيتاً وجاء بعياله ليسكنوا معه. 

تعرف بائع الخضر على بيت القاضي، وبعد يومين قدم له كمية صغيرة من الخيار البلدي ذي المذاق الطيب. 

قال القاضي: آسف. لا يمكن أن أقبل. أنا لا أقبل هدايا وأعطيات من أحد.

قال الخضري: الله وكيلك لم أدفع ثمنها. إنها من عندنا، من الحقل. 

وألح عليه أن يقبلها. فخجل القاضي منه وسكت. 

في اليوم التالي، أحضر له كمية صغيرة من قشطة الغنم. فتكررَ السيناريو نفسه: القاضي يرفض، والخضري يقسم أنه لم يدفع ثمنها فهي من لبن غنماته حتى رضخ القاضي وقبل. 

ثم أحضر له بطيخة حمراء، وبعدها لحمة عجل، وبعدها لحمةَ خروف. وكرزاً ومشمشاً وخوخاً. بعد ذلك أصبح الخضري يرسل البضائع مباشرة إلى بيت القاضي، وعيال القاضي أصبحوا يأخذونها دون أي رفض أو مقاومة. 

وكان ذلك الخضري من أصحاب المشاكل، وعنده في المحكمة دعاوى، وفي ذات يوم ذهب إلى القاضي وطلب منه المساعدة بعد أن حلف له أنه على حق، وأن خصمه على باطل. فساعده، وبعد أيام حدثه عن دعوى رفعها عليه رجلٌ كذاب مفترٍ، فساعده.

استمرت الحالة ثلاث سنوات يا صاحبي. وعائلة القاضي تعيش عيشة رائعة مع أطايب الطعام والفواكه التي يأتيها بها الخضرجي، والقاضي يساعد الخضري في صد الدعاوى المقامة ضده وإبطالها.

حينما صدر قرار وزير العدل بنقل القاضي إلى مدينة أخرى، حصل الأمر التالي: 

ذهب الخضري إلى مكتب القاضي في القصر العدلي، وناوله فاتورة أطول من حبل الجب، فيها كل شيء أهداه إياه، ومبلغ ضخم طبعاً، وقال له: 

- إذا ممكن يا سيادة القاضي أن تدفع لي الحساب.

أجفل القاضي من ضخامة المبلغ، سيما وأنه وضع أسعاراً تزيد عن السعر الدارج، مع توضيح صغير يقول (بضمنها أجور النقل)، وقال: 

- أنت تعرف أنني رجل متوسط الحال وأعيش على راتبي، ولا أقبل رشوة من أحد.

قال الخضري: أعرف، بالطبع، وأنا لا أرضى لواحد مثلك أن يفسد ويتلقى الرشاوى من أحد. على كل حال أنت صديقي، وسوف أساعدك بأن أُقَسِّط لك المبلغ على ثلاث سنوات! 

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...