لبّ القضية

لبّ القضية

31 يناير 2017
+ الخط -

على ما تقدم خلل فادح مرتكب، يمينًا ووسطًا ويسارًا، جهادًا ونضالًا، تحررًا وسلطوية، وكله باسم "القضية".

من غير المفهوم كيف تنأى "حركة تحرر وطني" بنفسها عن قضايا شعبها. داخلًا وخارجًا. ألم نكن نحن الذين نتغنى بأننا في مقدمة حركات التحرر؟ فهل انتهت المعركة مع كيان احتلالي إحلالي لتتمركز المسألة حول الشكل والهندام؟ وكيف يرانا "معسكر السلام عندهم"؟ أي "معسكر" هذا الذي يرى في اقتلاع البشر من أرضهم، من النقب جنوبًا حتى الجليل شمالًا... ثم يذرف ببيان طيلة مرحلة أوسلو، التي صارت حلالًا للرفاق الذين شرحوها تشريحًا في كتب وكتيبات، وإذ بهم تحت خيمتها، دخولًا وخروجًا وتوزيرًا وإقامة ووظيفة. ثم يأتي صبيانهم ليحدثوك عن "مقاومة التطبيع" فلا ترى واحدًا منهم في تحرك غربي لحركة "مقاطعة إسرائيل".

لبّ القضية أنك تريد عمقك العربي والإسلامي أن يكون مناصرًا لك، بينما أنت تستهزأ بثوراته وتتهمها بخطابات وشعارات ومقالات ولقاءات تلفزيونية بأنها "مؤامرة على القضية الفلسطينية". من غير المفهوم كيف أن تونس مثلًا، تآمرت ثورتها على القضية الفلسطينية!

إذا كان الدفاع عن نظام القذافي في شريط أوزو مع تشاد، هو قمة النضال، فتلك مسألة أخرى يسأل عنها من ارتضى أن يكون المال بديلًا عن تحرر الشعوب.

وإذا كان جيش التحرير الفلسطيني في سورية، مع بقية شلة الهوى البعثي، أن يقاتل بجانب مرتزقة أفغان وعراقيين وإيرانيين ولبنانيين يخدم فلسطين بقتل وتهجير الشعب السوري قمة التحرر الوطني، فتلك مصيبة أخرى.

كيف هي مصيبة على القضية؟

إذا كنت ثائرًا، وتدعي أنك ضد الظلم والاضطهاد، فقبل أن تقف مع أنظمة عفنة وفاسدة، كان الأجدر أن تتحالف مع قوى حركة التحرر من بين تلك الشعوب، لا أن ترمي شخوصها بتهم ملقاة من قنوات القتل، وبعضهم كان بالأصل ابنًا أصيلًا في حركتك التحررية. 

من يصفق لانقلاب في القاهرة، ويفرك يديه فرحًا لحكم عسكر، وثورات مضادة، لا يفقه من فكر جورج حبش شيئًا حتى لو أقسم برأس ماركس ولينين.

ومن يقبل أن يرفع صورة سفاح سورية باعتباره "المقاوم والممانع" ينسى بأنه لم يحتضن ثورته وحركته وشعبه أحدٌ، كما احتضنها الشعب السوري، قبل أن يولد السفاح الوريث، الذي تُرك وحيدًا يواجه مصيره، فجاءت بطبيعة الحال كل أشكال التطرف لتحل مكان حركة وطنية وجدت ضعفها في ضعفك وتخاذلك وانسياقك وراء شعار المؤامرة. مثلك مثل كل التيارات "القومجية واليسارجية" على الساحة العربية.

السؤال الأهم، ما دخل شعارات حزب البعث في سورية وصورة بشار باحتفالات ذكرى انطلاق تنظيم يساري؟ وبالمناسبة ليس بعيدًا عن الحسينية ولا اليرموك. مثل التحول إلى فرجة وصمت على مذبحة حماة ذات يوم. مكررة في حلب ووادي بردى. 

ختامًا، بالتأكيد مصيبة حركة التحرر الوطني الفلسطيني أن نفسها قصير. وعند أول تكويعة تبريرية كوعت. ووجدت في جيل شاب جديد ما يشكل تهديدًا لسلطوية قيادة التنظيم والمنظمة الغائبة والحركة الوطنية بأكملها.

لذا ليس بغريب أبدًا أن تكون ذكرى انطلاقة "الطلقة الأولى" باهتة مثلما هو سخيف صراع معسكري دحلان وعباس في كل الساحات. بحل سحري، لننتخب مجلسًا وطنيًا، والرز كفيل، كما دائمًا، بتغيير الهوى. وقصتنا مع الرز فلسطينيًا قديمة جدًا. لها يومها مثلما كانت أيامها علينا وبالًا.

ساحتنا الفلسطينية لا تعج بالملائكة، ولا أريد هنا تكرار ما قاله لي يومًا في مؤتمر حركة فتح ببيت لحم 2009 حسام خضر، ابن مخيم بلاطة بنابلس، عن "الشرفاء". لأن في ذلك كارثة أخرى راكمت كوارثنا.