الزير… خادم القضيَّة

الزير… خادم القضيَّة

28 يناير 2017
+ الخط -
قبل:

قضى جساس على حلم كليب وقومه في إقامة أول دولة عربية يقودها ملك واحد وقائد واحد، فقتله غيلةً. تلك الدولة التي كانت ستقف في وجه الطامعين بهم من الفرس والروم وغيرهم من الأقوام التي تحيط بهم من كل جانب، وتفشِل مُخطّطاتهم في الاستيلاء على القبائل المتناحرة والمتناثرة هنا وهناك في الصحراء العربيّة الواسعة.

اتّكأ الزير بجانب النار، وهو يحركها بعود طويل لتزيد اشتعالاً. يجلس قبالته حنّاش بن ربيعة. نظر الزير نحو السماء المظلمة التي تزينها قناديل النجوم اللامعة، ثم تنهد تنهيدةً طويلةً ونفخ نفخةً حركت الهواء من حولهما. حملق حنّاش وقد توسعت حدقة عينيه متعجباً من زفرة الزير ثم قال:"ما بك يا أبا ليلى؟ ما الذي يضايقك؟ فأنا ابن عمك وبيت سرك ودونك سيفي هذا أقطع به كل يدٍ تشير نحوك بسوء". مط الزير بوزه قليلاً ثم هز رأسه وقال:"يا بن العم يؤرقني ما وصل إليه القوم من حال، وأريد أن أقدم لهم شيئاً يخفف عنهم ما هم فيه، ولكنني عاجزٌ ولا أعرف كيف سأقوم بذلك".

سكت حنّاش وهو يفكر في طريقة تساعد الزير على الوفاء بوعده للقوم، تقلب يميناً ثم شمالاً رفع رأسه نحو السماء أغمض عيناً وفتح أخرى. نهض تمشى قليلاً ثم عاد وهو يصيح بأعلى صوته:"إليك الحل يا أبا ليلى". جثا  الزير على ركبتيه ينتظر ما سيخبره به. فقال حناش:"عندي رقم هاتف زعيم الفرنجة سأعطيك إياه ولتتواصل معه وتقدم له شرحاً مفصلاً عن أحوالنا وأظن أنّه سيخدمنا لأنه زعيم دولة عظمى وبيده كلّ الحلول، ولربما يدعمنا بالسلاح وهذا يكفي".

أطرق الزير رأسه، لأنه لا يثق كثيراً بزعيم الفرنجة، لكنه لا يملك الكثير من الخيارات، في ظل إلحاح القوم، وهجمة الأعداء الشرسة عليهم من جهة أخرى. فأخبره بموافقته على الفكرة بانتظار موعد التواصل عبر الواتس أب مع زعيم دولة الفرنجة.

إبّان:

تواصل الزير مع زعيم الفرنجة، وتم التنسيق بينمها على أن يسافر الزير إلى دولة الفرنجة، ويتم هناك الاتفاق والعمل، بينما ترك حنّاش مسؤولاً على القبيلة في غيابه. تقدّم الزير باتجاه زينة بنت ضرار، وهي أم لخمسة شهداء، قبّل رأسها وحلف لها ثلاثاً إحداهن بالطلاق أن أبناءها بمعزّة كليب ولا يفرق بينهم ولن يعود من رحلته حتى يثأر لدمائهم جميعاً. واعتلى المنصة ليخطب خطبته الأخيرة قبل الانطلاق إلى بلاد الفرنجة. تنحنح وسعل سعلتين ثم قال:"أيها القوم سأحمل همّكم ومطالبكم وسأنطلق بها لأضعها على طاولة الدول العظمى، أبشروا بسلاحٍ يهزم عدوكم ويمكنكم من رقبة جساس، وعدني زعيم الفرنجة بخمسين حصاناً مصفحاً، وعشرين ناقة مزودة برشاشات وثلاثين راجمة رماح وخمسة منجنيقات. وقاعدة رماح تاو. لا تخافوا بعد اليوم ولتعلموا بأن دماء الشهداء أمانة في عنقي".  وضرب على رقبته بقوة  ثم كفكف بعض الدمعات التي غلبته ونزل من المنصة.

انطلقت التكبيرات والهتافات والتصفيق والصفير وأطلِقَت الرماح فرحاً بما تلاه الزير عليهم.

بعد:

وصل الزير إلى دولة الفرنجة مُحمّلاً بمطالب قومه، فنزل في نُزلٍ من بيت الشعر المصنوع من الحرير، مكون من سبع طبقات مجهّز بأحدث تكنولوجيا الفرنجة. ومن حوله الفتيات الفرنجيات الشقراوات يقمن بخدمته على مدار اليوم. أصدر زعيم الفرنجة فرماناً ملكياً بصرف راتب شهري للزير قدره خمسة آلاف دولار يصرفها على ملذاته الشخصية من غير أن يندم. كما منحه ناقةً تسير على الطاقة الضوئية نهاراً والظلامية ليلاً. مع جهاز آيفون7 يتكلم سبع لغات بطلاقة بالنيابة عن صاحبه عبر ميزة الترجمة الصوتية الفورية. كما أهداه كرسياً برّاماً في جميع الاتجاهات وبإمكانه رفع مستواه بما يتناسب مع ارتفاع الطاولة مما يمنحه شعوراً رائعاً طالما كان يحلم به.

كان الزير في بداية الأمر هو من يبادر بالسؤال عن موعد الاجتماع بزعيم الفرنجة، لكنه ومع مضي الوقت أصبح  يتناسى ما جاء من أجله، حتى نسي فعلاً، وبدأ يتأقلم مع حياته الجديدة، بل وحس براحةٍ غريبة.

 يستيقظ صباحاً فيتناول فنجان قهوته مع جوليانا ثم يمتطي ناقته وينطلق باتجاه ملعب الغولف يقضي بعض الوقت ليعود في موعد الغداء. يشاهد بعض البرامج المنوعة مثل تكاثر الفئران وحمل الكركدن وزواج السمك. ثم يخرج مساءً إلى حفلة شاي يعدّها زيرٌ آخر قادمٌ من دولةٍ أخرى. بعدها يعود إلى النوم بعد أن يتناول كأساً من البيرة الخالية من الكحول حفاظاً على صحته.

تزوج الزير من المستورة إيفا بنت جوليانوس، فأقام حفلةً كُلفتها التقديرية عشرة آلاف دولار حضرها كبار القوم في بلاد الفرنجة وبعض الشخصيات من كواكب أخرى. فانتقل مع زوجته إلى بلدة صغيرة بنى خيمته الجديدة فيها بإطلالة رائعةٍ على مضيق البوسفور. وأرسل إلى زوجته المقيمة في القبيلة "ماسجَ" الطلاق عبر الإيميل الزاجل.

  لكن ذلك كلّه لم يمنعه من الظهور على شاشات التلفزة العالمية بين الفينة والأخرى يؤكد من خلاله تمسكه بحق قومه، فيما جاء من أجله وأنه لم و لن يتوانى عن تقديم الغالي والنفيس في سبيل تحقيق ذلك، منهياً تصريحه بعبارة:"خادمُ القضية الزير أبو لوليتّا المُبدَّل". 

 

 

نور الدين الإسماعيل
نور الدين الإسماعيل
خريج كلية الآداب جامعة حلب قسم اللغة العربية. يكتب الشعر والقصة القصيرة الساخرة والمسلسلات الإذاعية الساخرة لراديو فريش المحلي. كتب سيناريو فيلم قصير "المارد" قام بأداء الأدوار فيه مجموعة من الشباب الموهوبين في الداخل السوري. يقول: "عاطل عن الأمل"