في تفوُّق البغدادي على بوتين وترامب

في تفوُّق البغدادي على بوتين وترامب

22 يناير 2017
+ الخط -

في فترةِ الحرب الباردة، كان للصراع بين حلف وارسو (الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي)، وحلف الناتو بقيادة أميركا (المعسكر الرأسمالي)، بُعدٌ معنويٌّ وقيميٌّ وفكريٌّ. وكان للجيوشِ العسكريَّة الضخمة، آنذاك، مشاريع فكريَّة مُرافقة لها. فالسوفييت، يريدون تحقيق العدالة الاجتماعيَّة، والقضاء على الفقر، والوصول لحكم البروليتاريا، والدفاع عن الفلاحين والعمّال، كما يدَّعون على الأقلّ في دعايتهم الإيديولوجيَّة والإعلاميَّة. والأميركان، لديهم الديمقراطيَّة الليبراليَّة التمثيليّة، وجملة حقوق الإنسان، والتكنولوجيا الحديثة.

ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، وسقوط جدار برلين، بقي فعليّاً، فقط المشروع الليبرالي السياسي والحقوقي الأميركي، كحامل فكري وسياسي وأخلاقي وحيد في العالم للقوّة العسكريّة الأميركيَّة، وانهار المشروع الاشتراكي وفقد فعاليّته. حتَّى دخول، جورج بوش، إلى العراق، كان، كما ادَّعى الرجل على الأقل، لـ"مساعدة الشعب العراقي على بناء الديمقراطيَّة"، ولم تغب لفظة الديمقراطيَّة أبداً عن الخطاب الأميركي الموجّه للخارج والأزمات في الشرق الأوسط طول التاريخ السياسي الأميركي. أيّ أنّ الهيمنات الإمبرياليَّة كانت تحرصُ دوماً على وجود كيان نظري مقنع يقدّم مشروعاً سياسياً واجتماعيّاً واقتصادياً مختلفاً.
 
لكن، في عالم ما بعد أوباما، العالم ذو الروح البوتيني، الملاحظ فيه، غياب أي مشروع فكري وقيمي وسياسي للقوى العسكريّة الكبرى. الأستاذ، ترامب، ذوّ التوجه البوتيني، يتحدّث فقط عن “اجتثاث الإرهاب الإسلامي من الأرض” و”أميركا أوّلاً” و”الله يحمي أميركا” و”الاستقرار” و”الأمن القومي”، ولا لفظة واحدة مستقاة من القاموس الليبرالي السياسي الأميركي المعروف. تماماً، مثل بوتين، إذ يتحدّث دوماً عن “السيادة” و”الأمن القومي” و”محاربة الإرهاب” و”الاستقرار”، أما الشيوعية والاشتراكية، فيحكي فيها فقط الرفيق قدري جميل. 

إنَّه العالم معدوم القيم، عالم القوة العسكرية المتوحشّة والعارية. والطريف، أنّ المشروع العسكري الوحيد، والذي يمتلك إيديولوجيا مرافقة له، هو مشروع الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهذا تفوّق مبدئي للبغدادي، على الأقل، على بوتين وترامب!
دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية:

مدونات أخرى