ديكتاتور يرعى اجتماعاً لأزمة إنسانيّة

ديكتاتور يرعى اجتماعاً لأزمة إنسانيّة

22 يناير 2017
+ الخط -
حين قرأتُ بأنّ موسكو وتركيا اختارتا جرّ المعارضة السوريّة ونظام دمشق إلى "أستانة"، عاصمة كازاخستان، للدخول في "مفاوضات"، أو حوار كما يريده بوتين، تذكَّرت قصّة الرئيس سلطان نزارباييف، الجاثم على صدر البلد منذ ربع قرن، والفائز قبل عامين بـ 97 بالمائة من الأصوات.

كنت قبل ست سنوات قرأت قصة هذا الرجل وولعه بهتاف "للأبد". بما يشبه هتافات نفاق الجمهوملكيات العربية ومنها "للأبد... للأبد يا حافظ الأسد". كان الرجل في 2010، في السبعين من عمره، يلتقي بعلماء بلده، كما عادة هؤلاء الحكام، الذين قد لا يفقه واحدهم بشيء سوى أنه "المعلم الأول" في كل شيء، باستثناء شيء واحد لا يمكِن ذكره ها هنا.

في المحصّلة، وبطريقةٍ آليّةٍ راح العُلماء يهتفِون له "للأبد". ورغم أنّ دولته ثريَّةٌ بالغاز، إلا أنّه يمارِس على شعبه قمعاً وتكميماً للحريات، يعجب الغرب ومستشاريه الذين منحوه أوسمة وجوائز على "بطولات" تشبه إلى حد بعيد بطولات انحناء ظهر وزير دفاع حافظ الأسد، مصطفى طلاس، لبطولات ومعارك لا ندري أين وقعت، ومتى استحق لها كل تلك النياشين على كتفه.

بكل الأحوال، النفاق الغربي، واستقبال نزارباييف، حارس الحديقة الخلفية للكرملين، طرب لهتاف العلماء، وخصوصاً عند إصرار عالمين كازاخيين من أصل كوري بأن يبقى في الحكم حتى 2020. ولم يتردد الرجل في الطلب منهم: "إن كنتم تريدونني، أنا مستعد لذلك حتى 2020 فعليكم مضاعفة جهودكم لتخترعوا لي إكسير الحياة..." (وفقاً للغارديان في عددها الصادر الثلاثاء 7 ديسمبر/كانون الأول).

ما يُراد لنا أن نفهم هو أن "المعارضة"، بما فيها فصائل عسكرية، تعاملت مع الثورة وفق عقليّة "حاراتية"، مُستلهمَة من "باب الحارة"، أي أنَّه طالما حارتها بخير، فذلك يعني بأنَّها "قائدة للثورة والمجتمع". في "سوريتنا" (وهي صحيفة أسبوعيّة شبابّية سوريّة) قلنا بكل تواضع إن عقليّة الثورة وفق منطقٍ حاراتي لا تصنع تحرراً.

قد يعتَب كثيرون، ولكنها الحقيقة المرة. لم يثر الشعب السوري ليتبنّى لباساً تراثيّاً أفغانيّاً وباكستانياً قائماً في تلك الديار منذ ما قبل عصر الإسلام. ولم يثر الشعب السوري لأنه كان "ناقص عقل ودين"، فقد برع حافظ ورجالاته في فتح مساجد بقدر ما فتح سجوناً، وترك فسحة كبيرة عند تخوم خطوطه الحمراء.

ثمَّة أسماءٌ كثيرة في الثورة السورية هُمِّشَت وغيِّبَت، ولم يعد أحدٌ يسأل عنها سوى من باب المزايدة في استحضار بعض بطولات ماضٍ لا يؤثر كثيراً في الحاضر، المتفرق والمتشتت بأكثر من تشتت الوضع الفلسطيني حين اخترعوا له ملهاة السلطة.

الآن، يتجهَّز بعض الجمع ليقبلوا نزارباييف الديكتاتور، وهم يظنون بأن بوتين وحتى أردوغان، وقوى إقليمية أخرى يقيمون في عواصمها، وبعضُهم يقودُ منذ اللحظة الأولى ثورات مضادّة لكسر شوكة الشعوب، سيجلبون لهم ما لم تجلبه الفرقة والتشقّق الذي أصاب بمقتل نرجسي أهم أهداف خروج الشعب السوري في ثورته.

نزارباييف لا يمكن أن يحتضن مطالب ثورة تطمح لتغيير فوضى حكم يُسمَّى نظاماً بأجهزة تتدخَّل في تجهيل مجتمع، وجعله يحمد ربه على "الأمن والأمان".

مثلما لا يصلح عبد الفتاح السيسي لأن يكون صاحب مشروع تحرّر الفلسطينيين من قتلتهم، إذ بدون الأخيرين لا وجود له. وكذلك، ينبطق الأمر على رجل موسكو الباحث عن "إكسير حياة" ليبقى مخلداً للأبد على طريقة حافظ وبشار في صراخ هيستيري عن "الأبد" الذي يحمل كل كارثة عربيّة عاشها شباب هذه الأمة.

أستانة لن تكون سوى محطة أخرى من محطات تبادل منفعي ومصلحي، وبدرجة ما خدمة مافيوزية للكرملين. وطهران التي تحضرُ، اليوم، جنباً إلى جانب أردوغان هي لطمةٌ أخرى في وجه من رفع شعارات ورايات غير التي رفعها الشعب السوري، فكم من حماة شاهدت سورية؟

في الخامسة والسبعين من عمره، سيكون نزارباييف سعيداً بأن يُمنَح فرصة أمام شعبه المسحوق، مثلما كانت تمنح "الإمبريالية الأميركية" فرصة لحافظ أسد أن يبدو ممانعاً، وهو ينتظر نصف ساعة على الهاتف ليسلم على دونالد ريغان، بعد إطلاق مُختطَف أميركي معبِّراً عن أمله عبر مترجم فلسطيني أن يصبح التعاون الأميركي معه أوثق. وذلك في عز زمن الصراخ في دمشق ضد الإمبريالية والصهيونية.