"قتلة" المدرسة العمومية في المغرب

"قتلة" المدرسة العمومية في المغرب

06 ديسمبر 2016
+ الخط -

توصيات المجلس الأعلى للتعليم في المغرب إلى الحكومة المرتقبة لعبدالإله بنكيران، إذا وافقه الحظ في تشكيلها، بتنفيذ مخطط شامل لـ"خوصصة" قطاع التعليم في البلاد، هو آخر مسمار يدقّ في نعش المدرسة العمومية.


لقد بدأ الإجهاز الممنهج على حق الشعب المغربي في تعليم مجاني وجيد منذ ميثاق التربية والتكوين، وهو المخطط الإصلاحي، الذي، كما يعرف جميع المعنيين بقطاع التربية والتعليم، باء بالفشل الذريع، ليس لعدم ملاءمته للتربة المغربية فحسب، ولا لكونه حاول تنزيل مخرجات لا تمت بصلة إلى الاحتياجات الحقيقية لهذه المدرسة، الموروثة فكراً ونسقاً عن النموذج الفرنسي، قبل أن تفرغ من محتواها. ولكن لأن متغيرات كثيرة حدثت في النسيج الاجتماعي الوطني لم ينتبه إليها المشرفون على القطاع، حتى وجدوا أنفسهم أمام نموذجين: تعليم حكومي متخلف ولا يمتلك أدوات ولا موارد التطوير، وتعليم خصوصي، يحظى بكل الدعم من قبل الرأسمال، متعدد المصادر، تطبطب عليها الجهات الحكومية نفسها، وتمتعه بكافة الامتيازات والتسهيلات.


والنتيجة هي ما نعرف اليوم، من خروج نقاش إنهاء مجانية التعليم، من حيز الصالونات الضيقة والنطاقات المحتشمة، إلى الكلام الصريح من خلال توصيات مجلس استشاري يفترض فيه التقدير الجيد لمثل هذه الخطوة، حتى لا تكون ملاحظاته مطية سهلة للمتربّصين منذ مدة طويلة بهذا القطاع الحيوي الذين يريدون تحويله إلى بورصة لجني الأرباح على حساب جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين.


ولا أدل على ذلك من الفوضى العارمة التي يعيشها قطاع التعليم الخاص في المغرب والاحتكارية التي أصبحت سيفاً مسلطاً على العائلات بعد الإمعان في خنق آخر أنفاس التعليم العمومي.


لقد جاء عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين، أمس إلى القناة الثانية المغربية، وهو رجل صاحب كفاءة ووزير عدل سابق، مستجيباً لضغوط النقابات والهيئات المهنية والمدنية وبعض الأصوات السياسية، كي يقول بصريح العبارة "لقد أخطأت التقدير". وهذا اعتراف بأن المشاورات التي أدت لتبني توصية إلغاء المجانية، لم تشرك كافة ألوان الطيف المجتمعي والسياسي والمدني، واتُّخذت بتسرع بالغ، أملته ضغوطات وإملاءات خارجية، في إشارة إلى توصيات صندوق النقد الدولي، ولم يكن هناك إنصات للمقترحات الأخرى، ولا تقدير لخطورة الإجهاز على القدرة الشرائية، المضروبة من الأساس، للمواطنين المغاربة ولا وعياً بالأهمية الاستراتيجية للمدرسة العمومية.


 
لم يكن أمام المجلس الأعلى للتربية والتكوين من مخرج "مؤقت"، إلا الإسراع بتوضيح مضمون توصياته إلى الحكومة، بعدما بدأت كرة الثلج تكبر والتحضيرات لحالة احتجاجية وطنية على وشك الوقوع.


وكانت خلاصة تلك التوضيحات، الجزم بأنه لا تراجع عن مجانية التعليم، حتى وإن كانت "تكلفة المدرسة العمومية باهظة"، ومن يتذرع بهذه الأسباب عليه أن "يجرب تكلفة الجهل" على حد تعبير الكاتب العام للمجلس.


مربط الفرس هنا: إن أخطاراً تتهدد التعليم العمومي في المغرب، وإن قوى الضغط واللوبيات المصالحية لن تكفّ عن الدفع في اتجاه تقليص الاعتمادات الحكومية المخصصة لقطاع التعليم لقتله بشكل ممنهج وخنقه... وفي حال نجاحهم في مخططهم التصفوي، عليهم أن ينتظروا حربًا طويلة الأنفاس مع أخطار الجهل ومصائبة وما يستولده من مظاهر التطرف الأعمى.. فهل هم قادرون على تسديد فاتورة الجهل؟

6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..