زواج متعة

زواج متعة

24 ديسمبر 2016
+ الخط -


بلا لفّ ولا دوران وبصراحة فجّة، سألتها دون أن يرفّ لها جفن: "أحدهم يريد أن يعقد زواج متعة، ما رأيك؟"

فهمت ولم تفهم، وبان الالتباس في نظرتها. تابعت السائلة "مش ضروري تكوني من دينه، هو مش فارقة معه".

سمعت كثيراً وقرأت عن زواج المتعة، وتعرّفت إلى فتيات يعقدن زواجاً من هذا النوع، لكنها حتى تلك اللحظة كانت تظن أن لهذا الزواج شروطه.

استطردت صاحبة السؤال للتوضيح "إنهم مجموعة شبان يريدون فتيات للمتعة، فتيات open، بدون تعقيدات".

ما أبشع أن يكتشف الإنسان أنه مخدوع بمن حوله وبنفسه إلى هذه الدرجة، هكذا فكّرت. كانت تظن أنها إنسانة واضحة بأفكارها وآرائها وسلوكها، لكنها كانت غلطانة.

كانت تعتبر أن وجودها في المقلب الآخر المعاكس تماماً لـ"جماعة" زواج المتعة، دليل كافٍ على معارضتها هذا النوع من الزواج، حتى من دون أن تضطر إلى شرح ذلك، لكن الواقع أثبت العكس.

كانت تجد قواسم مشتركة بينها وبين سائلتها، فصحبتهما تطورت مع الوقت. ولكن يبدو أن كل اللقاءات وساعات الكلام الطويلة كانت هدراً، وما جمعهما لم يكن سوى حوار طرشان.

صحيح أنها قرأت عن زواج المتعة وشاركت في نقاشات عنه وعن شروطه، وبقي بالنسبة لها موضوعاً يُنظر له عن بعد. هو شكل من الزواج يحصل وإنما في عالم بعيد ومختلف تماماً عن عالمها. فمنطقها جعلها شخصاً لا يستوفي شروط هذا الزواج. ولكن السؤال أخافها لأنه جعلها أكثر قرباً من ذلك العالم المضاد.


سحقاً للأفكار التي تذوي وتضمحل أمام عيني حاملها، وسحقاً أكبر لتلك التي تعري الواقع وتكشف هشاشة قوانينه إلى الحدود التي يصبح فيه الخرق هو القانون.

السؤال تحول عندها إلى أسئلة... كيف يُعقد زواج متعة على فتاة ليست بعيدة عن الفكر الديني فقط، بل من دين آخر؟ وكيف صارت "المتعة" في هذا الزواج مفضوحة إلى هذا الحد، تستشري بين الناس، "كل الناس"، متخطية حدود الطائفة والمذهب؟

كانت على علم مسبق بزواج السائلة للمتعة من شخص لديه زوجة وأولاد. كان يريد بحسب قولها، تجريب نوع آخر من النساء، نوع لا يشبه زوجته الملتزمة، يريد امرأة مختلفة.

وسمعت منها أخباراً شبيهة بتلك التي قرأتها في الكتب، والأبحاث التي درست زواج المتعة، وطرحت وحلّلت اختلاف النظرة بشأنه ليس من خارجه فقط بل لدى من يمارسه أيضاً.

كانت متيقنة من خرق شروط هذا الزواج، ولكن ضمن حدود "جماعته". لكن السؤال خربط أفكارها وشقلبها، وخلق لديها شعوراً بالغثيان.

شعرت بأن هذا الخرق للقواعد تعدّى على إنسانيتها، كان يزهو ويتبختر خارج الحدود المسموحة له، مخترقاً مجالها.

صارت تضع سيناريوهات محتملة تشرح فيها رأيها لكي تؤكد بطلان السؤال من أصله.

في الأول تقول إنها شعرت بالأذى من السؤال، وكان على صاحبة السؤال أن تدرك بعد مرور وقت على تعارفهما أن هذا السؤال لا يمكن طرحه عليها. فيأتيها الرد "لم لا، هذا الزواج لا يلزمك بشيء، يمكنك أن تعقديه لفترة وجيزة جداً".

تنفعل وتشعر بالنفور من تلك المرأة الماثلة أمامها. تحمل حقيبتها وتغادر.

في الثاني، تسألها "لماذا اخترتني أنا بالتحديد، وهل تقبل الآخر يعني العشوائية واللاحدود في العلاقات الخاصة بالنسبة لك، وهل الانفتاح صار مرادفاً للاستباحة؟"، فتسمع الجواب: "على كل الأحوال الشباب محترمين". تحمل "الثانية" حقيبتها وتغادر.

سيناريوهات كثيرة خطرت على بالها، أسئلة يليها إجابات وتبريرات، وفي كل مرة كانت تحمل حقيبتها وتغادر.

لكنها في حقيقة الأمر لم تغادر. اكتفت بالإجابة: "طبعا لا". كتمت غيضها وحنقها. لكن نظرتها تغيرت كثيراً، للإنسانة الماثلة أمامها ولجوهر القوانين.

كانت واثقة أن العلاقات التي يحكمها التناقض لا تدوم، وأن الخرق الفاضح للقوانين والأحكام يتطلب إعادة العمل على إنتاجها من جديد.

-------------------------------------------------

(كتب في مارس/آذار 2007)

 

 

61B986DE-2650-44DE-86DA-74469348610B
سهى أبو شقرا

صحافية وكاتبة.. بدأت تجربتها في لبنان، ثم تنقلت بين الكويت والإمارات وقطر. عملت في إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية، ومنها برامج الأطفال.