بعضُ قولٍ في معرض يوسف عبدلكي

بعضُ قولٍ في معرض يوسف عبدلكي

23 ديسمبر 2016
+ الخط -

بادئ ذي بدء، وتجنّباً لكل صيد في ماء عكر أو ملوث أو حتى نظيف، لكن غير صالح للشرب، فإن من حق الفنان الذي يعيش في مناطق خاضعة لسيطرة النظام الأسدي أن يواصل عمله كفنان، أن يرسم لوحات ويقيم معارض، تماماً كما يحق لطبيب أو مهندس أو عامل أو معلم أو فلاح أن يواصل سعيه خلف الرزق وسيره في مناكب الأرض.


لكن، عمل من يعمل في الشأن العام، فناناً كان أو ناشطاً أو صحافياً أو كاتباً أو غير ذلك، يختلف اختلافاً غير قليل عن عمل أولئك ممن لا تندرج مهنهم تحت هذا التصنيف. ومع ذلك، فليس من الضرورة أن نلوم من يتعرض عمله لاستغلال ماكينة النظام الإعلامية، لأنّ عائلة قد تذهب للتبضع، فتلتقطها كاميرات التلفزيون الأسدي قائلة، إن الأسواق عامرة والخيرات وافرة، لا يعني أن العائلة مذنبة في تسوقها، أو أن عليها أن تجلس حبيسة المنزل خشية تعرضها لاستغلال إعلامي رخيص.


دعونا بعد هذا التقديم المتظارف، أن نشير إلى بعض النقاط في ما يتعلق بهذا المعرض على وجه التحديد، والنقاش الذي أثاره تالياً ثم وصل إلى إحدى ذراه مع مقالة للكاتب اللبناني، يوسف بزي، شن فيها هجوماً صريحاً على المعرض، ومعارضة المُعارض الذي أقامه.


النقطة الأولى تتعلق تحديداً بما قيل عن "التخوين" الذي أطلقه معارضون بحق عبدلكي. والحق يقال، إن بعضاً مما قيل بحق الفنان السوري، بما في ذلك جزء مما ورد في مقالة الأستاذ يوسف بزي، حمل غمزاً ولمزاً غير مدعوم ببيّنات كافية. لكن اللافت أكثر، أن "تخويناً" سابقاً لتخوين عبدلكي صدر بحق كل من قد اختلف أو يختلف مع عبدلكي، ليس في مجال الرؤية الفنية أو وجهة النظر السياسية، بل حتى في مكان الإقامة. وكانت من أبرز دلائله مقالة في صحيفة "السفير" اللبنانية (الصحيفة التي نعت محمد ناصيف قبل أشهر، والمناصرة لحرب الأسد وحزب الله اللبناني على الشعب السوري) تدبج غزلاً في معرض الأستاذ يوسف عبدلكي، ثم تنطلق من المعرض لشن هجوم على المعارضين السوريين المقيمين في الخارج!! (إشارتا تعجب رغم عدم تحبيذي في الغالب الأعم لهذه الإشارة).


والحقيقة، أن هذه المقالة تفتح الباب فعلاً للحديث أكثر عن المناسبات الثقافية والإعلامية التي يحاول نظام الأسد استغلالها للترويج لنفسه كقلعة علمانية حداثية تنويرية في مقابل شعب بربري إرهابي لا يمكن التعامل معه إلا وفق سياسة البراميل المتفجرة والتغيير الديموغرافي والتجويع والتعذيب حتى الموت والاغتصاب في الزنازين والاعتقال إلى آماد غير معلومة. فإن كان معارض المعارضة اتخذ منها وسيلة للتشهير وتخوين معارضين آخرين، فما بالنا بما سيفعله الإعلام الأسدي ومن لفّ لفه. وهنا يعود التقدير إلى الفنان نفسه وقدرته وربما رغبته في ألا يُتخذ عمله الفني مطية لمقالات صحيفة "السفير" أو تقارير إذاعة "شام إف إم" وبرامج قناة "سورية دراما"، طبعاً، لا خشية من جانب قناة "المنار" طالما أن المعرض يضم رسوم نساء عاريات (وللنساء العاريات هنا أيضاً دلالات حداثية علمانية يحبذها نظام الأسد على أولئك النسوة المحجبات في المناطق الثائرة عليه).


أما ثاني النقاط، فعلى صلة بتوقيت المعرض، ذاك أننا نعلم جميعاً أن افتتاح معرض فني، ما كان له إلا أن يأخذ صيغة احتفالية. ألم يكن من الأجدى والأكثر إنسانية وأخلاقاً ووطنيةً تأجيل الافتتاح بضعة أيام على أقل تقدير؟ أليس من العار أن تُلتقط الصور لليساريين وهم يرتدون أبهى الثياب ويقرعون الكؤوس ويشربون الأنخاب فيما فقراء حلب يتعرضون للقتل والتهجير، وإحدى أهم حواضر المنطقة تغدو تحت احتلال روسي إيراني أسدي مشترك. وحتى إن وافقنا هؤلاء على أن من يقتل على ضفة الأسد إنما هم من فقراء البلاد أيضاً، ألم يكن من الممكن بعض تأجيلٍ وصمتٍ تضامني، إن نحّينا التأجيل الاحتجاجي جانباً، مع كل هؤلاء القتلى وكل هذا الخراب.


وثالث النقاط تتعلق بموقع "فيسبوك"، فالوسيلة الاتصالية هذه، تبدو لغاية اللحظة عصية على استيعاب كثيرين، وأكثر ما يُصعّب هضمها على هؤلاء أنها أكثر ديمقراطية من وسائل اتصالية سبقتها ووصفت بالجماهيرية، صحفاً مطبوعة كانت أم أجهزة تلفزة وراديوهات، وما يثير الاستغراب أكثر أن هؤلاء إنما يحتجون عبر "فيسبوك" على  "فيسبوك"، ثم، وعبر "فيسبوك"، يشنون هجوماً على رواد "فيسبوك" "الافتراضيين" بطريقة توحي أن هؤلاء الافتراضيين إنما هم غير موجودين على أرض الواقع، بما يحيل إلى رغبة في إخراس هؤلاء (دعت إحدى المتضامنات مع عبدلكي المنتقدين إلى أكل الخراء).


والنقطة الرابعة على صلة بسابقتها، إذ كان من اللافت ذلك التخندق المباشر فور انتشار مقالة الأستاذ يوسف بزي، فمن كان محسوباً على شلة أو حزب، سارع فوراً إلى إظهار اصطفافات كان من الواضح أنها لا تقبل التحرك قيد أنملة، مهما كانت طريقة النقاش أو أهدافه.


ولنضع المعرض للحظات على جنب، ثم نطرح سؤالاً للأستاذ يوسف عبدلكي، سؤال يزعم طارحه أنه ينطلق من موقع محب، كيف تقبل لنا ولك يا أستاذ يوسف أن ترسم لصالح جريدة "الأخبار"، إحدى الأذرع الإعلامية المساهمة في قتل الشعب السوري ومحاربة ثورته والتنكيل بناسه وأهله؟


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.. أقم المعارض.
3070E2E5-3B7B-472B-9960-1F5807AC747F
ملاذ الزعبي

كاتب ومدوّن سوري. الجملة الي تعبّر عنه: "لنضحك بالرغم من كل هذا"

مدونات أخرى