بروباغندا روسيّة لغسل الدماء عن يد سفاح دمشق

بروباغندا روسيّة لغسل الدماء عن يد سفاح دمشق

17 ديسمبر 2016
+ الخط -
أرسلت روسيا اليوم، بنسختها الإنكليزية هذه المرة، حسناء أخرى، لتجلس مستنطقة بشار الأسد، وتنشر تقريراً، يوم أمس الأربعاء، على موقعها، يشمل حوالى أربعة آلاف كلمة، بواقع 25 ألف حرفًا إنكليزياً، كحصيلة "لقاء خاص".

من يقرأ بتمعن السؤال الأول حول حلب، سيكتشف، كما العادة، في هذا النوع من الـ"بروباغندا"، التي يسميها البعض صحافة، بأن "القائد منتصر دوماً".

ففي تتمّة الحوار، ثمة فلسفة خاصة ببشار و"الإعلام الروسي"، تتجسّد بقوله: "بعد فشلهم في دمشق، وما سموه تحريرها من الدولة ،السنوات الثلاث الأولى، انتقلوا إلى حمص ثم ركزوا على حلب... بالطبع ما يزال لديهم ارهابيون في مناطق أخرى"!


يلمّح بشار، هنا، إلى أن إدلب هي محطة المذبحة القادمة، ويحذر من "كذب الإعلام الغربي عن الضحايا".


من يتحدث عنهم الأسد هنا ليسوا مجهولي النسب والهوية، ولا كائنات كونية. الغرب بكل ما لديه من قوة "تمت هزيمته في حلب بهزيمة الوكلاء"، يقول الأسد. مستطرداً: "هي هزيمة للدول الإقليمية أو الغربية التي أشرفت عليهم، مثل الولايات المتحدة أولاً وفرنسا وبريطانيا".


أعضاء في مجلس الأمن الدولي "هزمهم القائد"، هكذا يرد في المقابلة، كأنك لست أمام صحافة أجنبية، بل نسخ من "تشرين" و"الثورة" و"البعث"، وتوابعها الإقليمية تكرر تجربة "لعلّها تصيب".


أوليس الأسد نفسه الذي لم يترك قناة غربية، بما فيها محطة دنماركية، ليتوسل قائلاً: "نحن نحارب الإرهاب دفاعاً عن العالم كله، وحتى لا يصل إلى الغرب"؟


في كل الأحوال، عدا عن الحشو واللغو والفلسفة التي يقدمها عن سورية المتخيلة، وشعبها الذي يقف دائماً إلى جانبه تصدياً لـ"المؤامرة"؛ يتحدث الرجل عن سورية وكأنها محمية روسية تحت انتداب الكرملين. فبعد تأكيده هزيمته للغرب بتحالفه مع ايران وروسيا، يقول: "من المهم جداً قراءة ما بين السطور. فإذا أردت ترجمة ما أراده الغرب من روسيا فهو كالتالي: نرجوكم أن توقفوا تقدم الجيش السوري ضد الإرهابيين.. وهذا يعني بأن الغرب يرى بأننا ذهبنا بعيداً في محاربة الإرهاب.... لقد قالوا لروسيا أن تطلب منا أن نوقف هجومنا، لإنقاذ الإرهابيين."


وفي إجابته السابقة قراءة واضحة مكررة بالعربية عن "ملايين الإرهابيين... السوريين". ولا أحد يتوقع أصلاً أن تكون هناك قراءة ناقدة ومتفحصة في روسيا لطبيعة هذا الرجل، المستخدم كبيدق في مشروع يفوقه ويفوق قدرته على الاعتراف بروابط العلاقة والتنسيق بين موسكو وتل أبيب. فرغم أنه تلقى من الأخيرة كل الصفعات؛ إلا أنه لم يأت بكلمة واحدة عنها. لأنه يدرك أن حمايته مقرونة بالخطوط التي ترسمها موسكو في "بناء تحالف" مصالحها.


المنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي كلهم "كاذبون"، بالنسبة للأسد، فهم "يضخمون ويهولون من الأرقام، ونحن نعمل كل ما نستطيع لتجنب سقوط مدنيين". ليضيف: "في كل الحروب يسقط مدنيون.. الغرب الرسمي وإعلامه لا يهتم بما يحدث على الجانب الآخر، حين يقتل الإرهابيون المدنيين، ويهاجم تدمر ويدمر الإرث الإنساني، فهذا ليس إرثاًً سورياً فحسب".


ثم، بعد ثوان، يتذكر الأسد سيطرة "داعش" على تدمر، قائلاً: "هجومهم على تدمر جاء نتيجة انتصارات الجيش العربي السوري في حلب، من أجل أن يجدوا بديلاً لتوريد السلاح لهم، ودعم الإرهابيين من خارج حلب".


إذاً "داعش" هو مركز التفكير: "كم هي قوة داعش اليوم؟"، وببساطة يجيب الأسد: "هي بقوة الدعم الذي يتلقونه من الغرب والقوى الإقليمية.. هم ليسوا أقوياء في الحقيقة، بوصفهم منعزلين ومن دون حواضن اجتماعية وطبيعية. ولكن بدون ذلك الدعم الذي يتلقاه الإرهابيون من طائرات أميركا وعوائد حقول النفط؛ فهم ليسوا أقوياء. إنهم إذاً أقوياء بقوة دعم المشرفين عليهم."


ملخص ما يراد قوله على لسان الأسد، في أكثر من 4 آلاف كلمة، هو: "أنا أقاتل الإرهاب.. الغرب يدعم الإرهابيين مع قوى إقليمية.. من دون محاربتنا للإرهاب سيصاب العالم الغربي بهذا الإرهاب.. الذي يسخر موارده لدعمه، كما يفعل مثلاً مع (داعش).. الذي ضرب الغرب ذاته."


يقول الأسد هذا الكلام، وهو الذي يجد أن أسلوبه أفضل من الأسلوب الأميركي في "محاربة الإرهاب"، الذي تدعمه أميركا نفسها، كما قال قبل ثوانٍ في إجابته على سؤال سابق!


في روسيا اليوم، تبدو العلمانية عند بشار الأسد "لا تحمي من الأيديولوجية الإرهابية". يقول: "لدي مجتمع علماني هنا، مثلما لديكم ولدى الغرب، ولكن لا يمكن حمايته ومنع التسلل الإرهابي إليه."


تلك مفارقة أخرى أيضاً، فمجتمع بشار المتخيل في سورية اليوم، هو "علمانيّ" بالقدر ذاته من العلمانية التي تسود في أوروبا وعموم الغرب. بل يضيف أنه يملك "أيديولوجية مضادة... من خلال الإسلام الوسطي".

من السؤال الأول، وحتى "شكراً لكم سيادة الرئيس"، تعود روسيا اليوم لتلعب الدور "البروباغندي" الذي يكرر، بلغة أخرى، خطاب وأسلوب قنوات وصحف النظام الثلاث. لا شيء جديداً سوى المزيد من الانفصام ومحاولة متناقضة لتسويق الذات كوكيل "كومبرادوري" في صد الإرهاب عن الغرب، رغم أن هذا الغرب، في الجهة المقابلة، هو الذي يدعم الإرهاب بكل قوة.


الملفت أن بشار الأسد، في مقابلاته السابقة جميعها، لم يعد يأتي على "الصهيونية المتآمرة"، ولا دور إسرائيل المحوري في المؤامرة على ممانعته، وهو ما عكسه اللقاء المطول. وقد يقول قائل؛ لماذا يجب أن يأتي على إسرائيل؟ أليس هو القائل: "نحن نتحدث مع رأس النبع مباشرة"؟ تماماً هذا هو المغزى التسويقي الجديد الذي يحاول إعلام روسيا فعله بلا طائل، كما فعلت، طيلة سنوات، صحف دولة مجاورة لجمهورية الأسد.