أنت شو ولاه...؟!!

أنت شو ولاه...؟!!

14 ديسمبر 2016
+ الخط -

 

(هذه الحكاية رواها الكاتب الكبير إبراهيم صموئيل، ولكنها نشرت في الكتاب باسم مستعار هو: سامر قطان، بسبب ظروف خاصة كانت موجودة يوم صدر الكتاب):

قبل سنوات عديدة من قيام الثورة السورية، كنتُ سألتُ صديقي، بُعيد خروجه من المعتقل، عن أغرب ما واجهه خلال السنوات الخمس التي قضاها، فقال:

- والله يا صاحبي يمكن أن تستغرب لو قلت لك بأنه رغم التعذيب والحصار والشتائم والتجويع... فإن سؤالاً بعينه ظل معلقاً في ذهني مثل الناقوس.

قاطعته مستغرباً: يا لطيف! وما هو هذا السؤال الخطير؟

قال: لا أعرف إنْ كان خطيراً كما تقول. لكنه كان غريباً عجيباً فعلاً.

قلت: قلْ!

فقال: في اليوم الأول من اعتقالي انهالت عليَّ الأسئلة والمعلومات التي لدى المحقق مثل المطر. بالطبع، ناورت وداورت وأنكرت وما إلى ذلك مما تعرفه. لكنَّ المحقق سكت فجأة، وراح يحدّق في عينيّ بثبات، ثم قال بما يشبه السؤال: «إنتَ شو ولاه!؟» فحرت بالسؤال وقلت: «شو أنا؟» فعاود صائحاً: «عم إسألك يا حيوان إنتَ شو؟ شو إنتَ؟»

رحت أتلفّت حولي، لا بدَّ أنه يقصد شيئاً لا أراه!!

أثناء تلفُّتي، اختلست بضع نظرات إلى وجهه. كان يبحلق بي من ما فوق رأسي إلى ما تحت قدميَّ بملامح المستطلع المنتظر! قلت في سري: أشاغلُه بسؤالي عن سؤاله العجيب، إذ لم يبقَ مطرحٌ في جسدي لخيزرانة جديدة، فقلت كما لو كنت أسأل نفسي «شو أنا!؟». ومططت شفتي السفلى.

بصق بقوة في وجهي، وصفعني صفعة أسقطتني أرضاً. ثم أمر بوضعي في الدولاب من جديد وهو يقول: «لك يا عرص يا ابن العرص عم إسألك شو إنتَ، بتقلي: شو أنا؟ إنتَ عم تحقّق معي، ولّا أنا عم حقّق معك؟!!»

قلت لصديقي مستنكراً: «طيب، يمكن الرجل يسألك عن تنظيمك، عيلتك، شغلك...»

قال صديقي: «لا! لا!».. وتابع:

الرجل سألني عشرات الأسئلة، وحقّق معي حتى شبع. بس ما بعرف شو خطر على باله لحتى سألني: إنتَ شو؟.. فعلاً وقتها ما فهمت أنا شو؟! لو كان سألني: إنت مين، لكنت ذكرت اسمي، لو سألني إنت وين، أو إنت كيف، لكنت ذكرت مدينتي أو وضعي أو تنظيمي. إلى آخره. لكن المشكلة إنو سألني: إنت شو؟ يعني في غير ربك يعرف نحنا شو؟!

صمت صديقي قليلاً، ثم راح يحكي كما لو كان ينزف:

- تعرف شو؟ بالحقيقة كان في عيونه شي غريب. كان يتطلع بوجهي وجسمي كما لو كنت رائداً من روّاد الأطباق الطائرة وأمسكوا به أخيراً! فعلاً كانت ملامح وجهه فيها استغراب ما فيها سؤال! قل فيها تعجّب! يسأل كأنه مانو مصدّق. ما كان بدو معلومات، كان حابب يفهم أنا شو؟! ويمكن إنتَ نفسك شو؟ والشباب اللي معنا.. شو؟ وكل رفقاتي.. شو؟ وكل واحد عم يفكر يعارض النظام.. شو؟ وكل واحد بالبلد يقول (لا) في غير تشهّده شو؟!

صمت صديقي فجأة، وصمتُّ معه لدقيقة، أو لدقيقتين، ثم كما لو كنا على اتفاق وتنسيق، توجّه كل واحد منا للآخر ليسأل:

- «بجدّ، ما قلتلي: ولك إنتَ شو؟»

ثم اعتدنا، طيلة السنوات التي تلت، على أن نبدأ، حال أن نلتقي، بالسؤال عينه: ولك يا عرص... إنت شو؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب حكايات سورية لها علاقة بالاستبداد 2014.

 

 

 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...