يمين الأسد... هوامش في دلالة المكان

يمين الأسد... هوامش في دلالة المكان

18 يوليو 2021
+ الخط -

يحرص قادة دول العالم على أداء مراسم تنصيبهم في مبنى البرلمان، حيث يحيط بهم ممثلو الشعب ويلتحق بهم عدد من الضيوف الدبلوماسيين والسياسيين من الدول المجاورة والصديقة، بل إن الأمر يتعدى الحرص الشخصي ليكون فرضاً دستورياً، كما هي حال الدستور السوري الذي يؤكد في جميع نسخه، منذ ظهور الدولة السورية، على أن يؤدي رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام مجلس النواب، أو ما سمي لاحقاً مجلس الشعب، قبل أن يباشر مهامه.

لهذا الأمر دلالة رمزية كبيرة، تشير إلى خضوع القائد الجديد إلى السلطة التشريعية ونزوله عند حكم الشعب وإرادته.

ولكن لبشار الأسد رأي آخر، فللمرة الثانية على التوالي، يحجم رئيس الجمهورية عن أداء اليمين الدستورية في مبنى مجلس الشعب، ويستدعي أعضاء المجلس ليؤدي اليمين في قصر الشعب، أي في قصره الرئاسي!

تشابه العبارتين لا يستدعي تشابه الدلالة، فمجلس الشعب مكان مختلف تماماً عن قصر الشعب، الذي ليس للشعب منه غير الاسم.

يمكن لنا أن نعتبر أن مجلس الشعب السوري، الذي تم الانتهاء من بنائه عام 1932، هو الأثر الوحيد الباقي من التاريخ السياسي لسورية ما قبل الأسد، مكان بني في قلب دمشق العاصمة، بأيدٍ سورية، وأشرف على تزيينه فنان دمشقي ضمّنه كل ما في الزخرفة والحرفية السورية من بهاء وفخامة. مكان حرص رؤساء سورية على أداء اليمين الدستورية فيه، بما فيهم والد الرئيس الحالي حافظ الأسد. ولهذا المكان حكايات طويلة مع المستعمر الفرنسي، صراعات سياسية حسم بعضها بقذائف المدافع الفرنسية التي نالت منه ومن حاميته، حيث سالت دماء السوريين على عتباته دفاعاً عن بيت شرعيتهم. وتحت قبته، احتدمت نقاشات طويلة ساهمت بتشكيل وجه سورية ردحاً من الزمن، قبل أن يمسح العسكر هذا الوجه، ويحاول نظام الأسود طمسه نهائياً.

على النقيض تماماً يظهر قصر الشعب، قصر يرتبط تاريخه بآل الأسد، إذ بناه حافظ الأسد بمبلغ يقال إنه تجاوز مليار دولار أميركي، وهو من تصميم المعمار الياباني الشهير كينزو تانغي، والذي يقال أيضاً إنه لم يرافق مشروعه في مرحلة البناء، وقد يبدو ذلك مفهوماً في الدولة/العصابة التي ربما تكون قد سطت على جهد كينزو!

في قصر الشعب يستمد بشار الأسد شرعيته من والده، الذي ترك له القصر، بينما في مجلس الشعب يستمد الرئيس شرعيته من الشعب

يُقال إن حافظ الأسد لم يعش في قصر الشعب مطلقاً، لم تعجبه الفخامة المبالغ بها والبذخ الكبير، ولكنه أوصى أن يكون قصراً لخليفته، وقد كان!

وفي مقال نشرته صحيفة ذا غارديان البريطانية قبل سنوات، قالت إن القصر أعدّ بعناية ليشعر تسلسل وصول الزائر إليه أنه أصغر ما يكون، عبر الضخامة والعملقة الموجودة في أرجائه، ولذلك يحرص بشار الأسد على الإقامة فيه واستدعاء ضيوفه إليه.

في قصر الشعب، ينظر بشار الأسد لضيوف قصره من فوق، بل إنه ينظر إلى العاصمة بأكملها من فوق، من فوق جبل قاسيون الذي يربض القصر على صدره.

أما في مجلس الشعب، فعلى الرئيس أن يكون تحت، حيث تتحلق حوله صفوف أعضاء المجلس، وترتفع لتشكل طوقاً يطبق خناق السلطة التشريعية على رئيس السلطة التنفيذية الذي يقف بين يديها.

في قصر الشعب يستمد بشار الأسد شرعيته من والده، الذي ترك له القصر، والأمر كذلك فعلاً، بينما في مجلس الشعب، يستمد الرئيس شرعيته من الشعب.

ربما كان جيداً لسورية أن يتحاشى بشار الأسد أداء اليمين الدستورية تحت قبة مجلس شعبها، وأن يستدعي عوض ذلك مهرجيه وأرجوزاته الذين عينهم أعضاء في المجلس قبل عام، رفقة عدد كبير من الفنانين والمطربين الشعبيين، ليشهدوا طقس جنون عظمته، الذي استدعى وجود سيارة تشريفات أقلته من قصر الشعب إلى قصر الشعب، وجوقة شرف عزفت لانتقاله من غرفة المعيشة إلى الصالون!

في سورية الأسد، يحاول الدكتاتور المتأله الدفع بجنون عظمته إلى حده الأقصى، ولكنه عندما يخرج من قصره إلى سورية ليمارس طقساً مسرحياً سمجاً يظهره واحداً من الشعب، فإن ألوهيته الكاذبة تتبدد في دمشق أمام المطعم وهو يتناول الشاورما رفقة عائلته، في الوقت الذي كان نظامه يوقع اتفاقية مع وفد صيني تقدم له الصين بموجبه مساعدات غذائية!