وصمدت غزة رغم الألم
أعلن الوسطاء، قطر ومصر والولايات المتحدة، عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، بعد أكثر من 15 شهرا من حرب إبادةٍ وعدوان همجي شنّه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة، راح ضحيته نحو 47 ألف شهيد فلسطيني، وصمود أسطوري لشعبٍ أعزل آمن بعدالة قضيته.
وقف إطلاق النار أَعلن رسميًا ضعف جيش الاحتلال الذي ظلّ يروّج لسردية الجيش الذي لا يُقهر، وأثبت أنّ المقاومة والسلاح هو الخطاب الذي يفهمه، هذه المقاومة التي وقفت بكلِّ شموخٍ وعزّة في مواجهة القوّات المدجّجة بالأسلحة الأميركية والغربية.
العدوان على غزّة كان كاشفًا لزيف الشعاراتِ الغربية عن حقوق الإنسان والمرأة والطفل، وعرّى جامعة عربية بلا روح ولا دور، مهمّتها إصدار بلاغات باردة وبلا معنى، بل مستفزّة لشعورنا العربي.
الاحتلال دخل غزّة بشعارات عنترية من أجل القضاء على المقاومة وتفكيك مقدراتها واجتثاث حركة حماس والفصائل الأخرى وتحرير الأسرى، وخرج بعد 15 شهرا من التدمير والتطهير العرقي وصمود أسطوري للشعب الفلسطيني دفاعًا عن أرضه وشعبه، خرج صاغرًا وراضخًا لشروط المقاومة الباسلة، والتي قدّمت رموزها وقيادة الصف الأوّل فداء لفلسطين.
الفرح الذي عمّ شعوب كلّ الدول العربية من المحيط إلى الخليج، التي خرجت ابتهاجًا واحتفالًا بصمود المقاومة رغم الألم وفداحة الخسائر، يؤكّد بالملموس أنّ شعارات التطبيع مع الاحتلال والترويج لها داخل أقطارنا العربية باءت بالفشل، وأن شعار "تازة قبل غزة"، لم يجد أيّ صدى لدى الشعب المغربي، المؤمن بخيار المقاومة في مواجهة الاحتلال، والمؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، رغم الهجمة التي تعرّض لها مناهضو التطبيع بالمملكة.
أثبتت المقاومة الفلسطينية أنّ عدالة القضية والإيمان بها أكبر من أيّ ترسانة أو قوّة عسكرية
إنّ العدوان على غزّة كشف أنه لا مناص ولا مفرّ من الوحدة والتضامن بين أبناء الأمة الواحدة في مواجهة مخطّطات التهجير والترحيل بفلسطين وباقي الأراضي التي تحتلها إسرائيل، وهي مناسبة لتحية جبهات الإسناد التي وفّرت السلاح وخطوط الإمداد، وأسندت المقاومة الفلسطينية، في مواجهتها للاحتلال، وفي مقدّمتها حزب الله وسورية والعراق واليمن وإيران.
لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية أنّ عدالة القضية والإيمان بها أكبر من أيّ ترسانة أو قوّة عسكرية، بل وأثبت أيضًا أنّ إرادة المقاومة لا تُقهر، وشعب فلسطين عصي على الانكسار، رغم تكالب الغرب وخذلان الأخوة والأشقاء، وتمكّنت من زعزعة الكيان وكلّ القوى التي تقف وراءه بالدعم العسكري والسياسي والإعلامي، وحشرته في الزاوية ودفعته للبحث عن مخرج من ورطته.
كما أثبت أنّ الشعب الفلسطيني حاضنة للمقاومة، من خلال تحمّله حملات التطهير والتهجير والتقتيل وصموده الأسطوري، رغم الحملات الإعلامية الشرسة التي تعرّضت لها المقاومة واتهامها بجرّ الويلات على الشعب، لكن هذا الأخير كان داعمًا لها ومساندًا وحاضنًا لرموزها.
إنّ الصمود في هذه المعركة ليس إلا حلقة من مسلسل طويل في مسار تحرير كامل التراب الفلسطيني، من النهر إلى البحر، وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف. وفي الختام، متى يعود حكّام العرب إلى جادة الصواب، ويفهمون أنّ مسلسل السلام ما هو إلا ذرّ الرماد في العيون، في الوقت الذي يستمر الاحتلال في ابتلاع الأراضي العربية وخرق كلّ الاتفاقات التي وقعت معه، ويوفرون مناخًا ديمقراطيًا داخل بلدانهم ويخدمون شعوبهم، عوض الرهان على سلامٍ زائف مع كيانٍ لا يفهم إلا لغة السلاح.