وسائل التواصل في لبنان: نافذة على العالم أم باب للإحباط؟

13 فبراير 2025
+ الخط -

في كلّ صباح، أفتح هاتفي بشكلٍ شبه تلقائي. أتنقل بين منصّات إنستغرام، وفيسبوك، وإكس. صور لأشخاص يسافرون، آخرون يحتفلون بإنجازاتهم، وإعلانات لمؤثرين يعيشون حياة تبدو مثالية. في لحظةٍ، أشعر أنني متصلة بالعالم، لكن بعد قليل، يتبادر إلى ذهني سؤال: هل حقاً حياة الجميع بهذه الروعة، أم أننا نختار فقط مشاركة الأجزاء الجميلة منها؟ 

بين الواقع والخيال الرقمي

لا يمكن إنكار أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تمنحنا إحساساً مؤقتاً بالسعادة والهرب من المشكلات، لكنها في الوقت نفسه ترسم صورة غير واقعية عن الحياة. هناك صفحة مشهورة على إنستغرام يتجوّل فيها شخص في الشارع ويسأل المارة عن سعر ملابسهم، ودائماً ما تكون الأرقام صادمة. جاكيت بآلاف الدولارات، ساعة تساوي راتب سنة، وأحذية تفوق سعر الحدّ الأدنى للأجور بأضعاف. هذه المشاهد تعطي انطباعاً بأنّ الجميع يعيش حياة مُترفة، بينما الواقع مختلف تماماً. قد يكون هؤلاء الأشخاص يمثلون قلّة محظوظة، لكن منصّات التواصل تجعل الأمر يبدو وكأنّ هذه هي القاعدة وليس الاستثناء.

إحباط بلا حل؟

أحد أكبر مصادر الإحباط في لبنان هو الشعور بالعجز. في عام 2019، كانت وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالأمل، بالغضب، بالحماس للتغيير. لكن بعد سنوات، لم يتغيّر شيء تقريباً، وأصبح كلّ منشور غاضب على منصّة إكس يبدو وكأنه صرخة في فراغ رقمي لا يسمعها أحد.

إلى جانب الصورة الخادعة للنجاح والثروة، هناك أيضاً الصورة الخادعة للجمال

في الوقت نفسه، أصبحت هذه المنصّات مساحة للمعلومات المضلّلة. أحياناً، تنتشر أخبار كاذبة تعطي الناس أملاً زائفاً، وأحياناً أخرى تزداد حالة الذعر بسبب الشائعات. نعيش بين طرفي نقيض: إمّا تفاؤل غير مبرّر وإما إحباط عميق.

معايير الجمال المزيّفة: الجميع أصبح يشبه الجميع

إلى جانب الصورة الخادعة للنجاح والثروة، هناك أيضاً الصورة الخادعة للجمال. المؤثّرات على وسائل التواصل الاجتماعي وضعت معايير صارمة للجمال، وأصبحت الفلاتر وعمليات التجميل وسيلة لتحقيق "المظهر المثالي". اليوم، يكفي أن تنظر حولك لتلاحظ أنّ الكثير من الفتيات أصبح بعضهن يشبهن بعضاً: الشفاه الممتلئة، الأنف الصغير، الخدود المرفوعة، الملامح المصقولة كأنها نُسخت من تطبيق تعديل الصور.

كثير من الصور التي نراها على وسائل التواصل لا تعكس الحقيقة الكاملة

ما بدأ موضةً أو تحسيناتٍ بسيطةً تحوّل إلى هوس حقيقي، حيث تشعر الفتيات أنّ عليهن تغيير مظهرهن ليواكبن "المعايير الجديدة". المشكلة ليست فقط في عمليات التجميل نفسها، بل في الضغط النفسي الذي تخلقه هذه المعايير، حيث أصبحت الثقة بالنفس مرتبطة بعدد "الإعجابات" والتعليقات بدلاً من تقدير الذات الحقيقي.

العلاقات الزوجية في زمن المقارنات

ولم تسلم العلاقات العاطفية والزوجية من تأثير وسائل التواصل. أصبح من السهل أن يرى أحد الطرفين صور الأزواج "المثاليين" على إنستغرام: حب، عشاء فاخر، هدايا فخمة، رحلات شهر عسل متكرّرة. فتبدأ المقارنات. وهذه المقارنات المستمرة تخلق توقعات غير واقعية وتضع ضغطاً غير ضروري على العلاقات. في الواقع، كثير من هذه الصور التي نراها على وسائل التواصل لا تعكس الحقيقة الكاملة، فخلف الكواليس قد تكون هناك مشكلات وخلافات لا تظهر أمام الكاميرا. ولكن عندما يصبح المقياس هو الصورة المنشورة بدلاً من العلاقة الحقيقية، قد يؤدي ذلك إلى تصدّع الثقة وزيادة الشعور بعدم الرضا.

كيف نخرج من هذه الدوامة؟

في الحقيقة، لا يمكننا الهروب تماماً من وسائل التواصل الاجتماعي، فهي أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية، لكن يمكننا أن نتعامل معها بوعي أكبر. يمكننا أن نتذكر أن ما نراه ليس الصورة الكاملة، وأنّ النجاح لا يُقاس بعدد المتابعين أو بعدد الرحلات التي نشاركها على مواقع التواصل الاجتماعي. ربما حان الوقت لأن نعيد التفكير في طريقة استخدامنا لهذه المنصّات، أن نقلّل من المقارنات، أن نستخدمها وسيلةً للتواصل الحقيقي وليس مجرّد نافذة للمراقبة من بعيد. وربما، الأهم من ذلك، أن نركز أكثر على حياتنا الحقيقية، تلك التي لا تحتاج إلى "فلتر" أو "لايك" لتكون ذات قيمة.

هل شعرت يوماً بهذا الإحباط بسبب وسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف تتعامل معه؟

كاتبة ومدونة
كاميلا مصطفى دهان
كاتبة ومدونة، حائزة على ماجستير في الصحافة من الجامعة العربية ودبلوم في إدارة المشاريع الإنسانية من الجامعة اللبنانية الأمريكية (LAU). أجمع بين شغفي بتحقيق التغيير الإيجابي من خلال العمل الإنساني، واهتمامي بقصص الناس.