هموم حياتية "مقرفة"!

هموم حياتية "مقرفة"!

07 سبتمبر 2021
+ الخط -

كنت أصغي إلى حوار موسّع عبر الإذاعة السورية الرسمية كانت تديره شابّة مذوقة، وتتعامل بكل لطف مع الأخوة المتصلين بالبرنامج، الذي يُبث يومياً، من خلال الرد على تساؤلاتهم.

وتطرق البرنامج، الذي حمل هموم المواطن السوري، إلى الوقوف على معاناته المتجذرّة التي يعاني منها اليوم نتيجة الوضع الاقتصادي المتأزّم الذي يعيشه أهلنا هناك، وكان محط تساؤلات الجميع ممن يتاح لهم الوصول إلى معدّة البرنامج.. أقصد كل من كان يستمع إليه ويتابعه.

ومن ضمن ما كنا نستمع إليه في ما جاء في البرنامج، ما كان يجري على الساحة السورية من معاناة، وحرمان المواطن "المعتّر" الكثير من الاحتياجات الضرورية، ومن أهمّها شحّ مرعب ومخيف في الموارد التي تهمّه بصورة خاصة، فضلاً، وهذا الأهم، عما يعانيه أغلب الناس من مشكلة تقنين الخبز المدعوم وتوزيعه حصرياً بواسطة البطاقة الذكية، حيث حدّد بموجبها عدد الأرغفة المستحقة للشخص الواحد حسب شرائح معدّة مسبقاً.

أما الأسر التي يتراوح عدد أفرادها بين 4 و 6 أشخاص، فيحق لها ربطتا خبز في اليوم، وبمعدل وسطي يقل عن 3 أرغفة في اليوم للشخص

وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أصدرت قراراً بالآلية الجديدة التي تقوم على تقسيم الأسر إلى شرائح حسب عدد الأفراد فيها، وحسب القرار الصادر، حيث تحق للشخص الواحد ربطة واحدة كل 3 أيام (الربطة 7 أرغفة)، وبمعدل رغيفين وثلث الرغيف يومياً. كذلك بالنسبة للأسرة المؤلفة من شخصين، إذ تحق لها ربطتا خبز كل 3 أيام، وبمعدل رغيفين وثلث للشخص يومياً.

أما الأسر التي يتراوح عدد أفرادها بين 4 و 6 أشخاص، فتحق لها ربطتا خبز في اليوم، وبمعدل وسطي يقل عن 3 أرغفة في اليوم للشخص.

ناهيك عن مشكلة المازوت، وتحديد الكمية الموزعة للمواطن إلى خمسين ليتراً.. أضف إلى ما يعاني المواطن من مشكلة متأزّمة في الكهرباء وغيابها شبه الدائم، وكذلك الانقطاع المستمر للمياه، وما على المواطن سوى الاتصال بمعدّة ومقدمة البرنامج، وما عليها سوى الرد عليه وبكل سذاجة.

البرنامج يدفع المواطن البسيط بأن يلزمه بطرح ما هو كذبة. كذبة كبيرة حسب ظنهم بأن أحوالهم المعيشية بخير، وأن المواطن يعيش في بحبوحة، وأن المواد متوافرة وبأسعار مقبولة نسبياً..

إلّا أن الواقع، وللأسف، عكس ذلك تماماً، وما على المواطن الذي يتحمّل المنغصات سوى أن يطرح على المذيعة سؤاله، ورغبته في تأمين ما يطلب، إلّا أّنّ الواقع شيء والنقاش الذي دار في البرنامج الإذاعي شيء آخر. كل ذلك مرسوم بعناية فائقة بهدف إرضاء المواطن الذي صار يعاني الأمرّين، وأخيراً، ما عليه إلّا أن تقوم مقدمة البرنامج بتلبية طلبه المتواضع بالاستماع إلى أغنية يختارها بنفسه، أو هم من يقع اختيارهم عليها، وعندها يتوقف الحديث معه، والانتقال من ثم إلى متصل آخر وهكذا، عارضاً المشكلة ذاتها، واستبعاد الحلول التي ظلّت معلّقة وعصية عن الحل الذي يبحث عنه المواطن، بالضحك على اللحى، ووخزه بإبرة "بَنج"، لجهة إرضاء مذاقه، ولا ترضي حاجته الميؤوس منها، وعوز أولاده في ظل وضع مؤس ما زال الجميع يُعاني منه.

نقول هذا الكلام، ونحن نتألم في الوقت نفسه، جرّاء هذه المعاناة التي تحمّل تبعتها المواطن في كافة المدن السورية، وفي ظل حكومة لا تهمّها سوى مصلحتها قبل كل شيء، وإرضاء المتنفّذين القريبين من السلطة وكل هدفهم ملء جيوبهم، والبحث عمّا يرضيهم ويعزّز مكانتهم المالية والوظيفية، وهذا حالهم!.

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.