الصراع يتغيّر.. فهل يغيّر العرب قواعد اللعبة؟

18 فبراير 2025
+ الخط -

عندما تحدّث الملك عبدالله الثاني في واشنطن، لم يكن مجرّد زعيم عربي يكرّر الخطابات الدبلوماسية المألوفة، بل كان أشبه بمَن يقرع جرس الإنذار الأخير قبل أن يُعاد تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة على حساب العرب جميعاً. لم تكن كلماته مجرّد موقف سياسي، بل كانت إعلاناً بأنّ القضية الفلسطينية ليست شأناً فلسطينياً فحسب، بل إنها باتت معركة وجود تتجاوز حدود الضفة وغزّة، معركة سترسم مستقبل الشرق الأوسط لعقود قادمة.

يجتمع القادة العرب في القاهرة في لحظةٍ مفصلية من تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، وسط تصاعد التهديدات بتهجير سكان قطاع غزّة وفرض واقع جديد على الأرض. وبينما تسعى القوى الدولية لحصر القضية الفلسطينية في إطار تفاوضيّ ضيّق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، جاء الموقف الأردني ليعيد تعريف الصراع بصيغته الحقيقية، مؤكداً أنّه ليس نزاعاً حدودياً أو خلافاً على إدارة قطاع غزّة، بل معركة وجود عربية تستهدف استقرار المنطقة بأكملها.

حين زار الملك عبدالله الثاني واشنطن والتقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كان خطابه واضحاً في رفض أيّ حلول تقوم على التهجير القسري أو تصفية القضية الفلسطينية عبر فرض واقع جديد. وهذا الموقف لم يكن مجرّد تعبير عن سياسة أردنية، بل كان تحذيراً استراتيجياً من تداعيات العبث بالجغرافيا السياسية للمنطقة. كان الطرح الأردني صريحاً؛ القضية الفلسطينية ليست شأناً فلسطينياً فحسب، بل هي ملف عربي سيادي، وأيّ محاولة لحصرها في نطاق فلسطينيّ- إسرائيليّ هو تفريغ لها من مضمونها الحقيقي. هذه الرؤية تجد صداها اليوم في أروقة الجامعة العربية، إذ يتجاوز النقاش حدود التضامن التقليدي إلى البحث عن أدوات تأثير حقيقية، فإمّا أن يخرج القادة العرب بموقف يُعيد رسم التوازنات، أو أن تستمر الدائرة المُغلقة من بيانات الشجب والاستنكار التي لم تمنع إسرائيل يوماً من التمادي في سياساتها.

الموقف العربي الموحّد لم يعد خياراً نظرياً، بل هو الضمانة الوحيدة لإيقاف المخطط الإسرائيلي-الأميركي الرامي إلى فرض حل بالقوّة

الخيارات أمام العرب لم تعد ترفاً دبلوماسياً، بل أصبحت ضرورةً استراتيجية، والموقف العربي الموحّد لم يعد خياراً نظرياً، بل هو الضمانة الوحيدة لإيقاف المخطط الإسرائيلي-الأميركي الرامي إلى فرض حل بالقوّة، والتحرك القانوني والدبلوماسي يجب أن يكون في صدارة الأدوات المُستخدمة، من خلال تفعيل الملفات في محكمة العدل الدولية، ورفع سقف الضغط داخل الأمم المتحدة، بحيث تتحوّل القضية من مجرّد أزمة إنسانية إلى ملف سياسي لا يمكن تجاوزه.

على المستوى الاقتصادي، فإنّ الدول العربية تمتلك أوراق ضغط مؤثرة يمكن توظيفها في العلاقات التجارية والاستراتيجية مع القوى الكبرى، بحيث يصبح الموقف من القضية الفلسطينية معياراً حاسماً في تحديد طبيعة الشراكات الدولية.

لا يمكن للموقف العربي أن يقتصر على ردّ الفعل، بل يجب أن يكون استباقياً، من خلال تبني خطة عربية لإعادة إعمار غزّة تضمن بقاء أهلها في أرضهم، وتقطع الطريق على أيّ مخططات تهدف إلى تهجيرهم تحت ذريعة الكوارث الإنسانية. وفي ظلّ تواطؤ بعض القوى الدولية مع الاحتلال، يصبح الدور الشعبي العربي والإعلامي أداةً حاسمة في إعادة تشكيل الرأي العام العالمي، وفضح الممارسات الإسرائيلية التي تتجاوز كلّ القوانين والأعراف الدولية.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم؟ هل يكون هذا الاجتماع نقطة تحوّل في طريقة تعاطي العرب مع القضية الفلسطينية؟ أم أننا أمام جولة جديدة من الاجتماعات الدبلوماسية التي تنتهي ببيانات لا تُترجم إلى أفعال؟

إنّ الجامعة العربية أمام اختبار تاريخي، فإما أن تستعيد دورها لاعباً رئيسياً في الصراع، أو أن تتحوّل إلى شاهدٍ عاجزٍ على إعادة رسم خريطة المنطقة وفق المصالح الإسرائيلية، والقرارات هذه المرّة لن تُحسب في ميزان السياسة وحدها، بل في ميزان التاريخ أيضاً، والشعوب العربية تراقب، والتاريخ لا يرحم.