هل فقدت "فيينا" روحها؟

هل فقدت "فيينا" روحها؟

20 أكتوبر 2021
+ الخط -

إنّ المباني السكنية في مدينة "فيينا" النمساوية موزعة في كل زاوية.. فكلما اقتربنا من مركز المدينة، كلما اقتربت من بعضها البعض، فتزداد كثافتها الهيكلية بشكل حاد نحو المركز، بينما تنخفض الكثافة السكانية في أطراف المدينة، وتحتوي العديد من المنازل المصمّمة على الطراز القديم، على وحدات سكنية بحجم أقل، وتمّ تصميمها بشكل رائع ومثقلة بالزخارف والمنحوتات والجص، وغالباً ما يتمّ إهمالها.. والسبب في ذلك انهيار الجص، وتساقط النوافذ، وتعرّض أسقف الأبنية لتسريب المياه، لكن بغض النظر عمّا إذا كان قصراً أو ثكنة عمالية.

ومع حلول عام 2018 تم هدم حوالي 115 مبنى في "فيينا" ما يعني أن وضع المباني صار يتدهور تدريجياً، على الرغم من أنه تم استصدار عدد من القرارات بمنع هدم المنازل في العاصمة النمساوية إلّا للضرورة القصوى.

وعندما نتحدث عن سحر "فيينا"، فإننا نعني يذلك في الواقع الأبنية السكنية التي تم بناؤها ما قبل عام 1919 فإن جميع المنازل مصمّمة على الطراز القديم، وأغلبها مملوكة للقطاع الخاص.

ومنذ عام 1840 فصاعداً، انتقلت الأرامل الثريات، والمصرفيون والمضاربون والمواطنون من الطبقة العليا إلى أحياء بأكملها للسكن في المدينة.. فنما عدد سكان فيينا أضعافاً مضاعفة وتخطى حاجز المليوني نسمة مع مطلع القرن الحالي، وكانت مساحة المعيشة شحيحة، وتجارة البيوت جيدة، فضلاً عن أن إحصائيات النمسا تؤكد أنَّ هناك 32400 مبنى تم بناؤها قبل عام 1919.

يتمتع المبنى السكني القديم بميزة كبيرة عن المبنى الجديد. المبنى السكني مفتوح للاستخدام. إنّه منزل مستقل وليس مبنى سكنيا. الغرف المرتفعة في المباني ليست مناسبة فقط للسكن. إنها مفتوحة لأي استخدام تقريباً.

في السنوات الأخيرة، تم إغلاق المباني السكنية بشكل متزايد بواسطة السقالات. رافعات البناء تلقي بظلالها على واجهاتها. وتم تحويل السندرات الخاصة بها إلى شقق فاخرة تطل على المدينة

في فيينا لا أحد يحتاج إلى سيارة. والسبب هو توافر وسائط النقل العام، فضلاً عن السوبر ماركات، وبائعي السجائر والمخابز والبارات وبائعي الزهور - كل ذلك في غضون بضع دقائق سيراً على الأقدام. هنا تقترب "فيينا" من سمعة المدينة العالمية. فالمدينة متنوعة وحيوية.

يعيش الأستاذ الجامعي هنا تماماً مثل طالبه، والمدير ذو الأجور العالية، والجدّة ذات الحد الأدنى من المعاش التقاعدي. من عام 2008 إلى عام 2017، نمت فيينا بمقدار 201 ألف شخص. انتقل 27 في المائة منهم إلى مبان حديثة.

البناء ينمو في الداخل، في القلب، مبنى فيينا القديم لم يعد له شعبية كبيرة بين المستأجرين. فقد تم دفع ما مجموعه 1.6 مليار يورو للمباني السكنية في فيينا في عام 2019. وتقدر هذا العام بنحو 1.2 مليار رغم أزمة كورونا، والأعمال المؤجلة. 

منذ بضع سنوات فقط، تم التلويح بهدم المباني السكنية خارج منطقة الحماية واستبدالها بمبان جديدة مربحة. لم تكن هناك حاجة للحصول على تصريح. لذلك لا توجد أرقام دقيقة لعدد المنازل المصممة على الطراز المعماري القديم التي بدأت بالاختفاء تدريجياً.
إنّ حوالي 115 عنصراً من دعاة الحفاظ على التراث المعماري، وبعد نقاش ساخن رأى أنه يجب الحفاظ على الآثار.. إنّ منظر المدينة مهددا بالاندثار. فقد المستأجرون القدامى منازلهم، وتم هدم المباني التي كانت مأهولة بالسكان، ولم يعد بالإمكان هدم المنازل التي بنيت قبل عام 1945 بدون ترخيص منذ 1 يوليو 2018.

 لم تكتمل حماية المنازل المصمّمة على الطراز المعماري القديم لأنه ولأسباب إدارية يجب (حماية الممتلكات)، كما يجب الموافقة على عمليات الهدم إذا لم يكن التجديد مجدياً اقتصادياً، ومع ذلك تقوم الشركات بهدم المباني القديمة. وفي الصورة المقابلة لن يتم إنقاذ المباني السكنية من خلال حظر الهدم.. فالحاجة باتت ملحة إلى تغيير في قانون الإيجارات، فهيكل المبنى في فيينا كارثي، لكن لن يقوم أي شخص بتجديد المباني السكنية بتكلفة عالية إذا لم تحقق ربحاً.

في السنوات الأخيرة، تم إغلاق المباني السكنية بشكل متزايد بواسطة السقالات. رافعات البناء تلقي بظلالها على واجهاتها. وتم تحويل السندرات الخاصة بها إلى شقق فاخرة تطل على المدينة. إذا لم تتم الموافقة على الهدم، فإن الخيار الوحيد غالباً هو تجديد المنازل على نطاق واسع وبيعها.

الآن فيينا تنمو مرة أخرى. تشهد المدينة فترة تأسيسها الثانية. يتزايد الضغط على سوق الإسكان. البناء يجري في كل مكان. لكن هذه المرة كل شيء مختلف. تتناقص مساحة المعيشة الميسورة التكلفة، وأصبحت الطوابق الأرضية مهجورة، وأصبحت الهياكل أكثر أحادية.. ويمتد التطور نحو مدينة حضرية متنوعة ومختلطة واجتماعية، تمنح "فيينا" جواً وسحراً خاصاً بها، وهذا ما صار يُشكل اليوم هويتها الحديثة.

دلالات

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.