هل دقت ساعة رحيل دي ميستورا؟

24 ابريل 2025
+ الخط -

لم تعد إحاطة ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، في حاجة إلى محلل متمرس أو خبير متعمق لفكّ شفرتها؛ إذ توحي منذ اللحظة الأولى بحالة نفسية مشحونة، تطغى عليها نبرة عاطفية مفرطة تارة، ومحاولات استمالة تعاطف المجتمع الدولي تارة أخرى.

فرغم الإشارات التي تضمنتها إحاطته بشأن التطورات الإيجابية التي شهدها الموقف المغربي، ولا سيما الاعتراف الواضح والمتقدّم للولايات المتحدة الأميركية، بوصفها عضواً دائماً في مجلس الأمن وضمن مجموعة أصدقاء الصحراء، بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، والدعم المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي من قبل عدد من الدول المؤثرة، فإن دي ميستورا لجأ إلى لغة دبلوماسية ملتبسة، تُخفي أكثر مما تُظهر، وتوحي بمحاولة غير مباشرة لفرملة الدينامية التي يشهدها الملف منذ سنوات.

ويكفي أن نتأمل قوله إن "الحكم الذاتي يجب أن يكون جاداً" حتى ندرك الخلفيات التي يحملها هذا الطرح. فقد ربط "جدية" المبادرة المغربية بضرورة تقديم مزيد من التفاصيل حول الصلاحيات التي سيتم تفويضها لجهة الصحراء، متجاهلاً أن هذه المبادرة، التي تقدم بها المغرب سنة 2007، جاءت بعد انسداد سياسي حاد أعقب فشل كل المبادرات السابقة، بما فيها تلك التي أشرف عليها مبعوثون أمميون قبله.

المبادرة المغربية، التي وُصفت أممياً بالجدية وذات المصداقية، تشكل حلاً توافقياً يجمع بين إرادة الوحدة والسيادة من جهة، وإرادة الانفصال من جهة أخرى. ومع مرونتها، فإنها ترسم خطوطاً حمراء واضحة، خصوصاً في ما يتعلق برموز السيادة الوطنية، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام التفاوض بخصوص آليات التفعيل.

وقد أكد وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة في أكثر من مناسبة أن هذه المبادرة تمثل "منتهى الحل"، وأن تطويرها يظل رهيناً باعتراف الطرف الآخر بها كأرضية وحيدة للتفاوض. غير أن دي ميستورا، في إحاطته الأخيرة، تجاهل هذا الإطار المرجعي، وأعاد تدوير مقاربات متجاوزة، أبرزها الحديث الفضفاض عن "حق تقرير المصير"، في تعارض واضح مع قرارات مجلس الأمن التي حسمت في مسار الحل، والتي تبنّت خيار التفاوض السياسي الواقعي بديلاً نهائياً لمسلسل الاستفتاء.

ويبدو أن دعوته إلى "تفاوض جاد" في إطار ما سمّاه "شكلاً موثوقاً من أشكال تقرير المصير" يمثل انزياحاً واضحاً عن المرجعية الأممية المعتمدة، ومحاولة مكشوفة للعودة بالملف إلى منطقة رمادية سبق للمغرب أن تجاوزها، بفضل رؤية الملك محمد السادس الذي أكد أن "ملف الصحراء المغربية هو النظارة التي ينظر منها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات"، وأيضاً بفضل الزخم الذي اكتسبه الملف بفعل التراكمات الدبلوماسية الوطنية، آخرها التحولات في مواقف واشنطن وباريس ومدريد وبرلين.

الأكثر إثارة للانتباه أن دي ميستورا ألمح في ختام إحاطته إلى إمكانية تجاوز مجلس الأمن والبحث عن حل خارج إطاره، مشيراً إلى الدور الذي يمكن أن تضطلع به الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها "حاملة قلم" ملف الصحراء في مجلس الأمن الدولي، ويمكن أن تتوسّط بين أطراف النزاع، خصوصاً المغرب والجزائر.

أما على مستوى الأسلوب، فلم تخلُ الإحاطة من محاولات واضحة لاستثمار البعد الإنساني، من خلال استحضار روايات عاطفية، كتلك التي نقلها عن إحدى النساء بالمخيمات، في محاولة لاستدرار التعاطف الدولي عبر لغة وجدانية.

إن هذه الإحاطة تطرح أكثر من تساؤل، سواء من حيث اللغة المستخدمة أو من حيث محاولات التوفيق القسري بين دينامية سياسية متقدمة، وطروحات تقليدية تجاوزها الزمن والمجتمع الدولي. بل إن دي ميستورا، بعاطفته غير المحايدة، لم يستطع أن ينأى بنفسه عن سرديات خصوم الوحدة الترابية للمغرب، وهو ما يتجلى في تبخيسه للمبادرة المغربية بشأن الحكم الذاتي لجهة الصحراء، ومحاولته تمريرها ضمنياً باعتبارها مجرّد مقترح قابل للتفاوض كباقي الأطروحات.

وفي ظل هذا التوجه الملتبس، يحق للفاعلين السياسيين والدبلوماسيين أن يتساءلوا: هل لا يزال لدى دي ميستورا ما يقدّمه لمسار التسوية، أم أن ساعته قد دقّت فعلاً، وأصبح من الضروري التفكير في بديل قادر على مواكبة الواقع الجديد للملف بروح من الواقعية السياسية والالتزام الصارم بقرارات مجلس الأمن؟

مصطفى عنترة
مصطفى عنترة
صحافي وحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدستوري، وكاتب مهتم بقضايا التعدد اللغوي والتنوع الثقافي بالمغرب وشمال أفريقيا، وباحث في المسألة الأمازيغية. نشرت له مجموعة من الدراسات والأبحاث، منها "المسألة الأمازيغية بالمغرب.. من المأسسة إلى الدسترة"، و"المسألة الأمازيغية بالمغرب.. قراءة في مسار التحول من الثقافي إلى السياسي"، و"الأمازيغية وأسئلة المغرب الراهن". يشغل حاليا إطارا بمجلس المستشارين المغربي وأستاذا زائرا بالمعهد العالي للصحافة والإعلام بالدار البيضاء.