هل تفادت "النهضة" التونسية السيناريو المصري؟

هل تفادت "النهضة" التونسية السيناريو المصري؟

27 يوليو 2021
+ الخط -

في الوقت الذي كانت معظم وسائل الإعلام والمتابعين للشأن التونسي يحضّرون أنفسهم لمتابعة نهار تونسي ملتهب بعد ليلة استثنائية، تحتكم فيه الأحزاب التونسية، وعلى رأسها حركة النهضة الإسلامية إلى الشارع للرد على محاولة الانقلاب الدستوري للرئيس قيس سعيّد، فاجأت الحركة المتابعين والمتربصين، وطلبت مساء أمس الاثنين من أتباعها ومناصريها الانسحاب من محيط البرلمان ووقف التظاهر، مشددة على ضرورة مغادرة الساحات، داعية إلى التهدئة وعدم الانسياق للعنف، ومنطق الغلبة.

خطوة رأى فيها البعض إقراراً من الحركة بالهزيمة واعترافاً ضمنياً بانتصار الرئيس. ولكن هل حقاً هذا ما حدث؟ أم أن رؤية كهذه لا تخلو من قصر نظر سياسي؟

كان أمام الحركة للرد على قرارات الرئيس خيارات محدودة، بل لعلها تتلخص في خيار وحيد، هو الشارع! أن تنزل الحركة إلى الشارع برفقة الأحزاب الأخرى وتواجه الرئيس المنقلب والجيش، كما حصل في تركيا، ولكن ثمة مشكلة هنا، فتونس اليوم ليست تركيا 2016؛ البلاد غارقة في الفوضى السياسية والمعاناة الاقتصادية والصحية، والشعب متعب، والأحزاب ليست على قلب رجل واحد، وفشل تحرّك كهذا قد يكلف الحركة الكثير، إذ قد يحيلها مباشرة على سيناريو البطش بحركة الإخوان المسلمين في مصر، حيث تجري شيطنتها وإصدار قرار بحلها وملاحقة عناصرها.

إن لم تحز الحركة الأغلبية؛ فمن المؤكد أنها ستحوز نسبة محترمة لا يمكن معها تجاهلها سياسياً في أية انتخابات برلمانية مبكرة

أمام هذا الواقع، يبدو أن الحركة اختارت أن تتجنب المخاطرة، وآثرت الابتعاد عن الشارع الذي قد يصبح محرقة لها، وهو الخيار الذي بدا جلياً أن بعض وسائل الإعلام تدفع باتجاهه رغبة منها في إزاحة الحركة من الخريطة السياسية التونسية ووصمها بالإرهاب وتسويغ حلّها واجتثاثها، خاصّة أن المواقف الدولية السياسية، كالموقف الألماني والفرنسي والأميركي، جاءت باردة لا يعوّل عليها، بل ربما كانت متواطئة مع قرارات الرئيس.

تحوز النهضة في البرلمان التونسي الحالي 52 مقعداً من أصل 217 مقعداً، وهي الكتلة الأولى من حيث عدد النواب، ورغم كل الحديث عن فقدان الحركة شعبيتها وما سبق قرارات الرئيس من هجوم على بعض مقراتها وإحراق بعضها، فإن الحركة ما زالت تمتلك رصيداً كبيراً في الشارع التونسي، قد يؤهلها مجدداً للفوز بالأغلبية في أية انتخابات برلمانية مبكرة قد يلجأ إليها قيس سعيد، وإن لم تحز الأغلبية، فمن المؤكد أنها ستحوز نسبة محترمة لا يمكن معها تجاهلها سياسياً، وأمام هذه المعطيات يبدو منطقياً ومفهوماً التزام الحركة عدم التصعيد والابتعاد عن خيار المواجهة وطلبها من مؤيديها فضّ الاعتصامات وإخلاء الساحات.