نحو عالم شامل لذوي الإعاقة بعد جائحة كوفيد – 19

نحو عالم شامل لذوي الإعاقة بعد جائحة كوفيد – 19

28 نوفمبر 2020
+ الخط -

ساهمت الأزمة العالمية لـجائحة كوفيد-19 في تعميق التفاوتات الموجودة مسبقًا التي يعاني منها ذوو الإعاقة، وكشفت مدى الاستبعاد والتمييز، وسلطت الضوء على أنّ العمل على دمجهم أمر حتمي ولا مفر منه. إنّ هذه الجائحة أدت أيضاً إلى فرض آثار حادة وتحديات فريدة من نوعها في حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على الرعاية الصحية والتعليم والعمل والمشاركة في المجتمع، لا سيما في البلدان العربية.

وقد أتاحت لنا هذه الجائحة فرصة جديدة للتفكير في كيفية إعادة بناء مجتمع شامل ودامج  لذوي الإعاقة، وقادر على تلبية احتياجاتهم، وذلك من خلال إحداث تغيير ممنهج في الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية والمرافق العامة.

اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة

منذ عام 1992، يُحتفل باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة في اليوم الثالث من شهر ديسمبر/ كانون الأوّل من كلّ عام، بهدف زيادة فهم قضايا الإعاقة ورفع الوعي بأهمية ضمان حقوق ذوي الإعاقة، وقبولهم والاحتفاء بإنجازاتهم ومساهماتهم بهدف الشمول والمساواة والتمكين.

وخلال الاحتفال باليوم الدولي تقام العديد من الأنشطة في مختلف أنحاء العالم لإظهار الأشخاص ذوي الإعاقة أعضاء فعالين ومنتجين في المجتمع بدلا من وصفهم كعاجزين، ولإبراز قضاياهم، والعمل على تغيير التوقعات والافتراضات السلبية التي يتبناها أفراد المجتمع نحوهم. وبعيدا عن الجانب الشكلي والرمزي، هناك العديد من الفعاليات والآليات للتعرف أكثر على الأزمات التي يواجهها ذوو الإعاقة سواء نظموها بأنفسهم أو تدار من أجلهم.

موضوع اليوم العالمي لعام 2020

وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة، فإنّ موضوع هذا العام هو - "إعادة البناء بشكل أفضل: نحو عالم شامل للإعاقة نافع ومستدام بعد جائحة كوفيد – 19 ".

بات البحث عن سبل لمساعدة ذوي الإعاقة مطلباً ملحاً وأمراً لا خلاص منه، خصوصاً إن عرفنا أنّ عدد المعاقين قد بلغ المليار شخص، وهو ما يعادل 15% من سكان هذا العالم (على الأرجح أنَّ الجائحة ستزيد أعدادهم)، ويعيش 80% منهم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة نفس المخاطر من أزمة كوفيد – 19 وتأثيرها، مثل بقية السكان، لكن تفاقمت هذه المشكلات عندما تفشت هذه الجائحة بسبب العديد من العوامل مثل الظروف الصحية الموجودة مسبقًا لديهم، وعدم إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية والخدمات الأساسية الأخرى، والحماية الاجتماعية، والتقنيات التكنولوجية. وبعبارة أخرى، فإن أوجه عدم المساواة الهيكلية والإعاقة، التي كانت سمة المجتمعات قبل الأزمة، تتفاقم بفعل الأثر متعدد الأوجه لأزمة كوفيد – 19.

حالما ننتقل إلى مرحلة التعافي من كوفيد – 19، سيتعين تكييف أنظمة الصحة والتعليم والأنظمة الأخرى لاستيعاب المخاطر الجديدة التي يواجهها ذوو الإعاقة.

لماذا لا تنتهز الفرصة لإعادة البناء بطريقة شاملة وبشكل أفضل؟

تتطلب الاستجابات المحلية والعالمية الشاملة للإعاقة التعاون والاستثمار والدعم المباشر من جميع أصحاب القرار، بما في ذلك الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الممثلة لذوي الإعاقة، وكذلك القطاع الخاص، على إعادة البناء نحو عالم أفضل لذوي الإعاقة أثناء وما بعد كوفيد – 19 في الجوانب التالية:

التوظيف الشامل: فلنخطط بأساليب مبتكرة تسهل إدراج ذوي الإعاقة في خطط العمل، وتسمح بمزيد من العمل عن بُعد أو تيسير إمكانية العمل من المنزل مع التأكيد على ضمان عودتهم وحصولهم على فرص عمل متساوية. بالإضافة إلى دعم الباحثين عن عمل أثناء وبعد الجائحة،  ومساعدتهم على تطوير مهاراتهم الشخصية والمهنية، والعمل على تغيير اتجاهات أصحاب العمل السلبية نحو ذوي الإعاقة.

الصحة الشاملة: لا شك أن الإجراءات الوقائية، من الوباء، التي تنادي بها القطاعات الطبية ليست دائمًا ممكنة للأشخاص الذين يعانون من أنواع معينة من الإعاقات، كما أن التباعد الجسدي يمثل تحديًا خاصًا لأولئك الذين يعتمدون على الأخرين لقضاء حاجاتهم.

 لذلك يجب أخذ التدابير اللازمة للعمل بجد للدفاع عن حقوق المرضى من ذوي الإعاقة في الخدمات الصحية أثناء وبعد الجائحة، لضمان حصولهم على التوعية للازمة للوقاية من الفيروس، وتيسير وصولهم للمعلومات الصحية سواء خلال التصريحات المتلفزة أو المواقع الإلكترونية، والعلاج والفحوصات اللازمة، وضمان إمكانية وصولهم للمرافق الصحية، وتوفير مستويات مناسبة من الرعاية، والتشديد على اعتبارهم من الفئات ذات الأولوية المستفيدة من لقاح كورونا في حال تصنيعه.

التعليم الشامل: كما رأينا أنّ الوباء أدى إلى إغلاق المدارس على مستوى العالم، فلجأت العديد من البلدان في توفير التعلم عن بعد، ولكن في كثير من الأحيان لم يكن هذا متاحًا للطلاب ذوي الإعاقة، مما أدى إلى عدم توفير فرص متساوية للتعليم جنبًا إلى جنب مع أقرانهم أو استبعادهم أصلا من العودة كونهم معرّضين لخطر العدوى مع انتشار الوباء أو عدم وجود أساليب مكيفة لهم في ظل هذه الظروف. لذلك، لا بد من تطوير استراتيجيات لتقليل تأثير الجائحة على ذوي الإعاقة الذين يفقدون فرص التعلم داخل المدرسة وخارجها. وقد يتضمن ذلك تعزيز دمج هؤلاء الأطفال في حلول التعليم المنزلي، وتوفير التعليم الشامل وضمان إتاحة الموارد التعليمية والتقنية لهم.

إنّ التحدي والتجربة المريرة للبشرية مع تفشي فيروس كوفيد – 19، يشكلان فرصة حقيقية لمقاربات جديدة، تتعلق بالتعامل مع الشرائح الأكثر تهميشا وضعفا، ومنها شريحة الأشخاص ذوي الإعاقة، وإدراك قيمة تخصيص الموارد والجهود، بغرض تمكين هذه الشرائح، وجعل العالم مكانا أفضل لحياة الجميع، وأقل خطورة وتهديداً لهذه الشرائح.

لنستغل جائحة كورونا في نشر الوعي بقضايا المعاقين. ونأمل بعد السيطرة على انتشار العدوى والعودة للحياة الطبيعية، ألا نعود من جديد للعيش في عالمٍ يتجاهل ذوي الإعاقة.

محمد الرشايدة/ فيسبوك
محمد الرشايدة
باحث و متخصص في مجال الأشخاص ذوي الإعاقة. حامل درجة الدكتوراه في التربية الخاصة، ويعمل حالياً أستاذاً مساعد في قسم التربية الخاصة في كلية التربية وعلم النفس في جامعة دوستو Deusto بإسبانيا. قام بتأليف العديد من الأبحاث المنشورة في مجلات دولية ومحكمة في مجال الإعاقات مع التركيز على دمجهم وتوظيفهم.