واتفقا على خطة محكمة.
أبو محمد: معظم الأطباء اللي عرفتهم بهالعمر شخصياتهم ناشفة، وكتير قليل إنك تلاقي طبيب عم يبتسم في وجه الزبون. وأنا هلق كتير مبسوط من هادا الدكتور عبد السلام اللي عم تحكوا عنه. يا ريتني تعرفت عليه بهديكه الأيام.
أم الجود: أنا في شغلة ما عم بفهمها، شلون دكتور وبيعمل مقالب؟ ما بيخاف تنضرب سمعة عيادته؟
كمال: مستحيل تنضرب سمعة عيادة الدكتور عبد السلام، لأنه واحد من أغنياء البلد، وكريم بشكل استثنائي، يعني إذا دخل عيادته 100 زبون في اليوم، كان ياخد أجرة معاينة من 30 زبون، بينما 70 زبون من الطفرانين بيعفيهم من الدفع، وكان يشتري شوية أدوية أساسية ويحطها عنده في الخزانة، ولما كان بيشوف زبون مفلس كتير بيناوله دوا من عنده.
أم زاهر: إنته قلت إنه عبد السلام وأبو شكري اتفقوا يعملوا مقلب بسلمون في اليوم التالي. من هون لازم تكمل القصة.
كمال: حاضر، يا ستي، تاني يوم الصبح الدكتور عبد السلام تأخر عن الدوام في العيادة لشكل مقصود، وخَبَّر البنت اللي بتشتغل عنده وطلب منها ما تجي ع العيادة قبل الساعة 11. وخلال هالفترة صارت العيادة مزدحمة بالزباين، والكل صاروا يلغطوا، ويسألوا بعضهم: أشو صاير اليوم؟ ليش لهلق الدكتور ما إجا؟ وليش ما إجت الممرضة؟ وكان أبو شكري موجود بيناتهم بحسب الاتفاق فقال: يا ريت تهدوا شوي، بلكي منعرف أيش القصة.
رد عليه واحد من الزباين، وقال: أيَّ قصة يا أخي أبو شكري؟ هيك ما بيصير.. إذا الدكتور مفكر يفلّت العيادة لازم يعطينا خبر، حتى كل واحد يدبر حاله، وعدم المؤاخذة البلد فيها دكاترة غيره. أنا جاري الدكتور جوزيف، بروح لعنده وبتعاين عنده.
أبو شكري: والله يا جماعة معكم حق، وعلى كل حال الأخ سلمون موجود هون، هلق سلوم بيعمل اتصالاته وبيخبرنا أشو القصة.
كان سلمون جالساً فوقف وقال: من دون ما نعمل اتصالات، أنا بعرف القصة. الدكتور عبد السلام اليوم عنده عمليات جراحية في المستشفى الوطني، بس يخلص بيجي.
أبو شكري: كلياتنا منعرف إنه عنده عمليات، لأنه الدكتور عبد السلام أكبر جراح في هالمحافظة! بس هوي بالعادة بيخلص الساعة تسعة، وبيجي ع العيادة.
سلمون: كان يخلص ع بكير لما كنت أنا أساعده في الخياطة. بس أنا هلق ممنوع من دخول المستشفى. المدير حط اسمي ع الباب، وقال للحارس إذا سلمون بيهوّب لهون بتكسروا رجليه.
زبون آخر: أفّ! وليش بقى منعوك من دخول المستشفى؟
سلمون: القصة طويلة، ما بدي أوجع لك راسك بالحكي.
أبو شكري: يا جماعة اسمعوني منيح.. لما بيقول الأخ سلمون إنه بيخيط بطون المرضانين صدقوه. أنا بشهد إنه معلم في خياطة كياس القنب والجْوالات، أنا مرة شفته في الطاحون، واقف وعم تستنى الجْوَال ليتعبى طحين، وبعدين بيسحبه على طرف وبيخيطه ببراعة.
سلمون: نعم. أبو شكري عم يحكي عني لما كنت إشتغل في الطاحون. بعدين طلعت مع إبن خالي أحمد ع الحَصَّادة، وكانت شغلتي تخييط الجوالات.
أبو شكري: عدم المؤاخذة أخي سلمون، حابين نعرف كيف انتقلت من خياطة الجوالات لخياطة الجروح والبطون؟
سلمون: كنا أنا ووالدي قاعدين في أرض الديار عم نشرب شاي، إجا الدكتور عبد السلام ودق علينا الباب. أنا فتحت له. إجا لعند أبوي وسلم عليه وقال له: إلك ولا للديب يا عمي أبو سلمون؟
أبوي جاوبه: يخسا الديب.
قال الدكتور: يا أبو سلمون أنا هلق موسمي طالع، وعندي شغل كتير، وسمعت إنه إبنك سلمون معلم بالخياطة، بركي بتبعته يساعدني بخياطة البطون، وبالنسبة للراتب بياخد على طلب لسانه.
واحد من الزباين سأله: خيو سلمون، قولك خياطة كياس الحنطة متل خياطة الجروح؟
سلمون: نفس الشي ولاك خاي، بس خياطة جوالات الحنطة بدها مسلة، والجرح بده إبرة وخيط رفيع. والمهم إنك تسمي بسم الله قبلما تبلش.
الزبون: حلو كتير. خيو، وليش بقى منعوك تخيّط البطون في المستشفى الوطني؟
سلمون: كنت عم خيط لمريض من حارتنا، ما شفت غير جايبين لي مريض مفتوح بطنُه، وقالوا لي هادا مدعوم من الأمن العسكري.. تصور بدهم ياني إترك المريض اللي تحت إيدي وأخيط للمريض المدعوم. ما بيصير هالشي، أنا ضميري المهني ما بيسمح لي.. المهم راح هادا العكروت عنصر الأمن العسكري اشتكى لمدير المستشفى، والمدير أصدر تعميم بمنعي من الخياطة، وبعدها كبرت الشغلة براسه ومنعني من دخول المستشفى. بس مين اللي تلبك بهالشغلة يا حزرك؟ الدكتور عبد السلام هوي اللي تلبك، جابوا له مساعد ممرض "خياط" بعمره مو مخيط نَزّالة طبيخ، وطلبوا منه يعاونه. المسكين إيده بطيئة، ما بيلحق. وهادا اللي خلى الدكتور يتأخر اليوم عن العيادة.