مساء 25 يناير 2011

مساء 25 يناير 2011

18 فبراير 2021
+ الخط -

كان ثمة حالة جمعية وملامح جديدة بدأت تتشكل للميدان، وقدر عالٍ من تناغم أفكار الموجودين على تنوعهم، وانتشرت في أرجاء الميدان حلقات بعضها يغني للشيخ إمام وبعضها يناقش ويتعارف وبعضها يهتف، وفي كل حلقة أو مجموعة تلحظ دون جهد قدراً واسعاً من الاختلاف والتنوع في الخلفية والهيئة.

وبدا واضحاً أن الاتجاه العام يؤيد البقاء والاعتصام أيا كان الثمن، الجميع يتمنى الاستمرار ويخشى أن يرحل البعض فيتحطم هذا الأمل.. ما زلت أذكر أعدادا من الشباب يتجولون في الميدان، خاصة قرب المخارج، مرددين "الجدع جدع والجبان جبان، واحنا يا جدع هنبات في الميدان"، وإذا كان هناك من يسير في أحد الشوارع تجد من يسأله: رايح فين يا كابتن؟ انت هتمشي وللا ايه؟ اوعى تستسلم، احنا مكملين!

في اجتماع الساعة 7 توافدت بعض الشخصيات وشاركت في الاجتماع، منهم كمال أبو عيطة وإبراهيم عيسى ونوارة نجم وأسامة الغزالي حرب وأيمن نور وحمدين صباحي وآخرون.. وكان عدد من المتظاهرين قد احتشدوا يتابعون النقاش الدائر ويشارك بعضهم فيه، وحين اقترح أحدهم أن نبقى حتى منتصف الليل وحينها نعلن بيانا بالمطالب وتعليق الاعتصام حتى الغد مع الاتفاق على العودة صباحا.. هاج عدد كبير من المتظاهرين رافضين مجرد فكرة ترك الميدان، وكان أعنف رد سمعته حينها لنوارة نجم.

سمعنا أن مئات المتظاهرين محاصرون عند دار القضاء العالي، معهم د. محمد البلتاجي، فاستأذنت زملائي في الذهاب مع (أ.ن) لإخبارهم بوجودنا في التحرير لينضموا إلينا فذلك سيعطي دعما وزخما قويا للميدان، وحين اقتربنا من دار القضاء بعد عناء، رأينا مجموعة قليلة جدا من المتظاهرين تحيطهم طبقات من جحافل الأمن المركزي ويتخطفونهم داخل الميكروباصات، ودخلنا في بعض الاشتباكات مع الأمن حتى استطعنا العودة للميدان.

قال (أ.س.) "احنا دايما بنقول ان الشعب مستعد يضحي حتى آخر واحد من الإخوان، الناس الآن في الشارع فلماذا تتأخر الجماعة؟!!"

طرحت على أصدقائنا اقتراحين لتعزيز فرص نجاح الاعتصام:
- التواصل مع من نعرفهم من المتظاهرين في محافظات أخرى، سواء من شباب الجماعة أو الحركات السياسية، وننسق معهم إعلان اعتصامات بمحافظاتهم أيضا، فيتوزع الضغط على النظام ولا يكون التحرير وحيدا.

عرفنا أن الإسكندرية والسويس من المحافظات التي بها مظاهرات كبيرة، فاتفقنا على محاولة التواصل معهما، لا أعرف ما تم مع الحركات الأخرى، لكني خرجت مع صديق حتى ميدان محمد فريد بحثا عن مكان يمكننا إجراء الاتصال منه، إذ كانت الاتصالات قد قطعت عن الميدان ومحيطه، واتصلنا بأحد أصدقائنا في الإسكندرية وفهمنا منه أن القرار الذي بلغهم كان بمنع المشاركة، وأن من شارك من شباب الإخوان هناك شارك بالمخالف للقرار، فأبلغناه أننا سنعتصم في التحرير، واتصلت بزميلة عمل كانت من الإخوان حينها وأخبرتني أنها شاركت بالفعل في المظاهرة لكن مسؤول الشعبة اتصل بوالدتها قائلا: كلمي بنتك وقولي لها تروح لأننا مش مسؤولين عن اللي ممكن يحصل لها.

تجدر الإشارة هنا إلى أنه بعد تصريح د. عصام العريان يوم 23 يناير، الذي أشرت إليه في المقال السابق، بـأن "الجماعة لن تمنع شبابها من المشاركة"، عرفت أن مكتب الإرشاد أرسل تكليفا للمكاتب الإدارية (مسؤولي المحافظات)، يوم 24 يناير، يترك لهم حرية القرار التنفيذي في كل محافظة، وحسب محادثاتنا مع عدد من زملائنا في الإخوان في عدد من المحافظات، لاحظنا أن تعامل المحافظات مع القرار تفاوت بين (المنع – التكليف بالمشاركة للكل – ترك الحرية للأفراد).

- كان اقتراحي الثاني هو ضرورة التواصل مع مكتب الإرشاد مباشرة لإقناعهم بتغيير موقفهم من الحركة، وأهمية ذهاب وفد من بيننا للمكتب لأنهم لن يتجاوبوا بسهولة ولن تفيد الاتصالات.

لم يتشجع صديقنا محمد القصاص كثيرا للفكرة، وقال: ما أظنش هيغيروا رأيهم، لكن لو عايز تحاول توكلوا على الله، لكن أنا لن أترك الميدان، فخرجت أنا وإسلام لطفي و(أ. س.) واتفقنا أن نذهب أولا لمنزل د. عصام العريان، فإذا استطعنا إقناعه يكون وسيطنا لدى مكتب الإرشاد.
أخبرتنا زوجة د. عصام أنه ذهب لمكتب الإرشاد، وفي طريقنا للمنيل كان بيان وزارة الداخلية يحمل جماعة الإخوان و6 أبريل مسؤولية الأحداث.

في مكتب الإرشاد

في مكتب الإرشاد وجدنا د. محمود عزت، د. محمود غزلان، د. محمد مرسي، د. عصام العريان، د. محمد البلتاجي، د. سعد الكتاتني، ود. هشام عيسى، أ. كارم من قطاع وسط القاهرة، كانوا مجتمعين في إحدى الغرف ود. البلتاجي موجود في المكتب لكن لم يكن معهم في الاجتماع.

بعد وصولنا بقليل انتقلوا لغرفة الاجتماعات وكان يبدو عليهم التوتر  والارتباك، لا أدري إن كان خوفا من أجهزة التنصت أم خوفا من ذلك المجهول الذي يتشكل في شوارع مصر وعواقبه، وشرحنا لهم الأوضاع في الميدان وأن هناك أعدادا كبيرة، من بينهم كثير ممن نعرفهم من الإخوان، حاولنا أن ننقل إليهم كيف أن الأمر مختلف هذه المرة، وكيف أن المحتشدين بالميدان مصرون على الاستمرار وعزيمتهم قوية، وتحدثنا عن ضرورة تجاوب الجماعة مع هذه التطورات، خاصة بعد بيان الداخلية، وقال إسلام (احنا كده كده محاسبين على المشاريب) واستغرب د. غزلان الكلمة، فأوضح له د. مرسي أنه كلام ناس من اللي بتقعد على القهاوي! (وكانت هذه إحدى السلبيات أو المثالب التي يتداولها قيادات في الجماعة ضد مجموعتنا منذ فترة طويلة: أننا نجلس على المقاهي)، بدا لنا أنهم لم يكونوا قد عرفوا ببيان الداخلية، فعلّقت قائلا إذا كان هناك أحد في مصر اليوم من مصلحته أن تنجح هذه الحركة فهو الإخوان، لأن الجماعة من سيدفع الثمن إذا فشلت، وهناك أمل كبير في نجاحها إذا دعمت الجماعة الميدان بالأفراد وباللوجستيات المطلوبة من بطاطين أو طعام.

وقال (أ.س.) "احنا دايما بنقول ان الشعب مستعد يضحي حتى آخر واحد من الإخوان، الناس الآن في الشارع فلماذا تتأخر الجماعة؟!!".

كان الغالب عليهم التحفظ وقلة الحديث، إلا من بعض الأسئلة التي طلبوا إجابتنا عليها، وبعد نقاش خيم عليه من طرفنا الإحباط بسبب عدم تجاوبهم كما كنا نرجو، طلب منا د. محمود عزت أن ننتظر قليلا، حسم د. محمود عزت الاجتماع بقوله إن "الأمر بدأ شعبيا ومن الأفضل أن يكمل كما بدأ، وأن موقف الجماعة معلن وقرارها واضح، وكونوا أنتم مع الناس.. إن بقوا في الميدان أو انصرفوا؛ وأن الجماعة سترتب مع الجمعية الوطنية على النزول يوم الجمعة 28".

لم لم تفلح جهودنا في هذه النقطة، أخبرناهم أن هناك عددا من الرموز السياسية من اتجاهات مختلفة موجودون في الميدان وشاركوا في الاجتماعات ولم يكن هناك أحد من رموز الجماعة، فأشار أحدهم إلى أن "الأخ يسري بيومي النائب العمالي موجود هناك"، فقلنا إنه غير معروف سياسيا ولن يكون هذا مقنعا للموجودين! فقال د. عزت: ممكن د. محمد البلتاجي ينزل معكم، وكان قد عاد من وقفة دار القضاء للمكتب.

في الطريق للميدان نقلنا للبلتاجي إحباطنا من موقف المكتب، فانفعل قائلاً: أنا من الساعة 7.30 وأنا قاعد أتكلم في الكلام ده، وبحاول أستأذن إني أنزل التحرير". ووصلنا إلى الميدان في حدود الساعة 11 مساء أو قبلها بقليل، وتجمع بعض شباب الجماعة حول د. البلتاجي فتركناه معهم وكانوا يتجهون به نحو الإذاعة (عرفت لاحقا أن مصطفى النجار قد أحضر "هورن" وقام مع بعض الشباب بتركيبه ليصبح إذاعة للمتظاهرين)، ولم نلبث إلا قليلا بعد وصولنا حتى بدأت الشرطة في فض الميدان بالقوة بعد منتصف الليل بقليل.

ذهبنا لصيدلية داخل بولاق واشترينا كمية من الأقنعة الطبية، وزعناها على من لقيناهم من الشباب، ثم التقينا فيه د. عمار علي حسن يتنفس بصعوبة وعيناه محمرتان من أثر الغاز، ويقول: "دول مجرمين، أنا عندي ربو"، حاولنا مساعدته، ثم انطلقنا مع الحشود التي حاولت مجموعات منها العودة للتحرير لكن لم تفلح، فظللنا نتنقل في الشوارع من وسط البلد لميدان عابدين، حيث حاولانا تفادي الاشتباك مع وحدة للشرطة العسكرية هناك، ثم عماد الدين ومنه إلى شارع رمسيس، ثم شارع الجلاء ومنه إلى أحمد بدوي وكانت الأعداد ضخمة، وفي نفق الجلاء وقعت اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن فتراجعت المسيرة نحو السبتية وبولاق أبو العلا، وانفصلنا عنها قليلا أنا وسامح البرقي ومحمد القصاص، ثم لحقنا بها عند أركيديا ومدخل روض الفرج، وهناك فصلنا عن المسيرة حشد من المخبرين وسيارات الميكروباص التي راحوا يتصيدون المتظاهرين فيها، وكنا في حالة إعياء شديد بعد نحو 16 ساعة من الكر والفر، فاتفقنا على المغادرة.