ما يثير المشاعر

ما يثير المشاعر

12 يوليو 2021
+ الخط -

اتصل به في ساعة متأخرة من ليلة شتاء باردة، وحاول في مرات عديدة أن ينقل إليه ما حدث في رحلته الأخيرة.. الرحلة رقم 19 إلى الولايات المتحدة، وكما وصفها له صديقه الطبيب عبد المجيد فإنها تثير الكثير من المشاهدات الساخنة والمناظر المقززة، وتصدر عن واقع موحش لم يألفه من قبل.

المعطيات تؤكد أنّ الطبيب عبد المجيد اعتاد في أغلب رحلاته إلى بلاد العم سام القصيرة جداً، ومنها ما لم يدم سوى يوم أو يومين كانت تخلو من الطرافة، أو حتى أنه لم يعد بمقدوره تصوير ما يمكن أن يلاحظه خلال تلك الفترات القصيرة جداً والتي لا تستحق الوقوف عندها، إلّا أنّه في هذه المرة حاول مراراً أن يُتحفنا ببرنامج رحلته الأخيرة مع اثنين من أصدقائه اللذين تعرّف عليهما هناك ويكبرونه سناً. وكما أشار لنا أنّ زيارته إلى ذلك المكان برفقتهم كانت خارجة عن إرادته وعن المألوف، ورغم ذلك حاول أن يفكر في ذلك قبل أن تخذله قدماه وتوديا به إلى المكان الذي لم يفكر قط في الذهاب إليه، من باب أخلاقي أولاً، ولا يتناسب مع سمعته كطبيب ثانياً، وبسبب عدم اقتناعه بالتوجّه إلى أمثال تلك الأماكن الخلاعية.

ركب صديقنا الطبيب عبد المجيد إلى جانب أشرف ومحيي الدين وطاف بهما في شوارع مدينة نيو أورليانز في ولاية لويزيانا الأميركية، وبعد حوالي خمسة وأربعين دقيقة وصلا إلى وجهتهما ونزلا من سيارتهما المرسيدس حديثة الصنع، وبعد أن ركناها في إحدى الكراجات المخصصة لذلك ساقهما قدرهما إلى إحدى المحال التي تستقطب الجنس اللطيف ومثله من الجنس الآخر، وأمضيا وقتهما وبكل أريحية وهما يتغزلان بالبنات العاريات من ملابسهن، ويستعرضن بأجسادهن الجميلة أمام حشد كبير من الحضور يتابعون ما يجري، كاشفات عن عوراتهن.. والمضحك أنَّ جلّ المتابعين يحافظون على أجسادهم من العري، أي أنهم يتابعون ما يَقمن به من استعراضات وبكل هدوء ولطف وتفرّد في الوقت الذي يحافظ فيه الزبائن على عدم كشف عوراتهم وأي جزء منها.

ساعات وأنهت معها الشابات العارضات في الحفل المسائي وصلتهن المقرّرة، وخرج الأصدقاء الثلاثة من محال الاستعراض وهم يتهامسون إلى بعضهم البعض

كانت الصالة الفسيحة تغص بالآتين لقضاء ساعتين أو أكثر من اللهو والفوز بساعة مسلية تردّ الروح لأمثال هؤلاء الشباب الثلاثة وغيرهم الذين جاؤوا ليشاهدوا ويستمتعوا، وعن كثب، بتلك الصور الجديدة عليهم، التي يرونها ولأول مرة، وما كان ينقل لهم ذلك عبر صديق مهاجر، أو عبر برامج التلفزيون، أو من خلال ما يشاهد ويتابع من خلال الأفلام السينمائية، وما تعرضه دور العرض وما يثير ويدغدغ مشاعرهم.

بقي الثلاثة هناك ثلاث ساعات ونيّف، واستمتعوا في هذه الجلسة المطولة التي جمعتهما مع بعضهما البعض ولأوّل مرّة، وخاصة بالنسبة للطبيب عبد المجيد الذي حالفه الحظ في حضور هذه الجولة الخجولة الأولى من نوعها والتي أصرّ صديقاه أشرف ومحيي الدين على حضوره أمثال هذه المناظر التي تثير المشاعر!

بعد ساعات، أنهت الشابات العارضات في الحفل المسائي وصلتهن المقرّرة، وخرج الأصدقاء الثلاثة من محال الاستعراض وهم يتهامسون، مذكرين بعضهم باللقطات التي شاهدوها، واللوحات والصور المثيرة التي لفتت نظرهم، وإن كانت مقززة في جانب منها، فما كان منهم إلّا الاتجاه نحو سيارة المرسيدس للعودة إلى مقر إقامتهم.

في اليوم التالي، اتصل الطبيب عبد المجيد بصديقه أشرف مبدياً سعادته بالمشاهد التي رآها وأحداث تلك الليلة "العنترية" التي لم يسبق له أن شارك فيها مع أحد في مثل هذا الاستعراض الجديد الذي أفرحه وأثلج صدره، وتمنى أن يطول حتى ساعات الصباح الأولى، إلّا أنّ النعاس والإرهاق الذي أصابه وساعات العمل الطويلة التي تنتظره للقيام به في اليوم التالي، وإنهاء ما أوكل له من أعمال ملحّة، ألزماه مغادرة المكان. ومع ذلك، فقد أكد أنه سيعيد الكرّة مرّة ثانية وثالثة ورابعة، ولكن هذه المرة بمفرده ما دام أنه عرف المكان الذي يمكن أن يقضي فيه ساعات بعيداً عن الإحباط واليأس اللذين يعيشهما في هذا المكان!

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.