ما الذي يحصل في سورية؟
قد يكون الجميع تغافل عمّا يجري في سورية بعد استقرار الوضع على ما هو عليه، غير أنّ تسارع الأحداث أعادها إلى الساحة كأحد الصفائح الإقليمية الساخنة، والتي يبدو أنها لن تهدأ سريعاً. إذ عرف الشمال السوري أخيراً تصعيداً مفاجئاً، حيث انطلقت عملية عسكرية واسعة لقوّات المعارضة السورية ضدّ مناطق كبرى تسيطر عليها الدولة، كما تحدّثت تقديرات متطابقة عن سيطرة المعارضة على نحو 22% من المجال السوري.
حتى أنّ هذه المشاهد والأحداث المتسارعة ذكرتنا بعملية سيطرة داعش على محافظة الموصل العراقية سنة 2014 من حيث عنصر المفاجئة وعنصر القدرات العسكرية الكبرى المتوفّرة لدى هذه القوّات، ممّا يطرح أكثر من تساؤل حول تركيبتها وحلفائها وأجنداتها.
السيطرة على إدلب وحلب
تناقلت وسائل الإعلام أخبار سيطرة قوات المعارضة على محافظتي إدلب وحلب المهمّتين في الشمال السوري. وأعلنت فصائل المعارضة السورية سيطرتها على قرى جديدة في ريف حماة، خاصة في سهل الغاب، إضافة إلى سيطرتها على مواقع عسكرية استراتيجية في ريف حلب، بينها مطار النيرب العسكري ومدرسة المشاة.
من جانبها، نفت وزارة الدفاع السورية سيطرة المعارضة على قرى في ريف حماة وحمص، وقالت إنّ جنودها استعادوا عدداً من القرى وأكّدت أنّها تستعد لهجوم للالتفاف على الجماعات المسلحة وإنهاء تقدّمها سريعاً. ووسط هذا الوضع المتأزّم سُجّل تحليق للطائرات الحربية السورية والروسية التي تنفذ عمليات الإسناد للقوّات النظامية، خوفاً من تمدّد سيطرة المعارضة على كامل الشمال، بما يعني ذلك تعاظم النفوذ التركي في تلك المنطقة.
وكان بشّار الأسد قد أكّد، يوم الأحد، "أهمية دعم الحلفاء والأصدقاء في التصدي للهجمات الإرهابية المدعومة من الخارج"، وفقاً للرئاسة السورية، ممّا يؤشّر إلى تصعيد مرتقب مع دخول حلفاء النظام السوري إلى هذه الحرب، ما سيكون له تداعيات كبرى على المنطقة إن حصل، خاصة في ظلّ تواصل العدوان على غزّة ودخول الهدنة في لبنان.
لماذا الآن وبعد الهدنة في لبنان؟
الأكيد أنّ توقيت هذا التصعيد في سورية مرتبط بلا شكّ بالهدنة في لبنان لأنّ حزب الله كان ولا يزال حليفاً استراتيجياً للرئيس السوري بشار الأسد، وكان له دور كبير في مواجهة قوات المعارضة وحصرها بمجال ضيّق في أقصى الشمال السوري نحو الحدود التركية.
وبالتالي، فإنّ انشغال حزب الله بالحرب مع الكيان ودخوله في مرحلة إعادة التنظيم بعد اتفاق وقف إطلاق النار شكّل الأرضية الملائمة لهذا التصعيد منقطع النظير في سورية.
انشغال حزب الله بالحرب مع الكيان ودخوله في مرحلة إعادة التنظيم بعد اتفاق وقف إطلاق النار شكّل الأرضية الملائمة لهذا التصعيد في سورية
حزب الله بدوره، أصبح، ولو ظرفياً في وارد الاكتفاء بالتمترس في جبهة الشمال تجاه الكيان التي لم تكن صامدة خلال شهري العدوان على لبنان فقط، وإنما كانت كذلك منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى إسناداً ودعماً للمقاومة الفلسطينية، ممّا يوحي للمعارضة السورية بأنّ الحليف المهم لنظام بشار الأسد لن يدخل هذه المرّة بثقله في هذا الصراع. فمن حيث التوقيت فقد تغيّرت الظروف الموضوعية، ممّا يطرح أكثر من تساؤل حول الأجندات الحقيقية لهذه القوّات.
الأجندات المفترضة
قد تختلف التقييمات حول الحرب الأهلية في سورية كما يراها البعض أو الثورة كما يراها البعض الآخر، منذ انطلاقها في سنة 2011 في سياق موجة الربيع العربي، إذ يرى كثيرون أنّ مطالب المعارضة هي مطالب مشروعة، فيما يرى آخرون أنّ الهدف الحقيقي من خلال تحريك الأحداث هو إسقاط أحد أركان الممانعة في المنطقة.
اليوم يعود الجدل حول نفس الآراء والتوجّهات تقريباً، خصوصاً في ظلّ عدم توجيه هذا الكم من القدرات العسكرية نحو العدو المركزي للأمّة العربية والعمل على تقويض الاستقرار النسبي الذي عرفته سورية.
قد تختلف الأجندات تماماً باختلاف التخمينات، لكن المؤكد أن تفجّر الأوضاع في سورية في هذا التوقيت بالذات يخفي أكثر من مجرّد إيقاظ الحرب، وإنما قد يدفعها إلى تأثيرات إقليمية بالغة سوف تتحدّد بنفس سرعة انفجار الأوضاع هناك، وسوف تكون ارتداداتها محدّدة في الحرب الدائرة في غزّة ومثيلتها في لبنان.