ماذا عن خيانة "العقد الاجتماعي"؟

ماذا عن خيانة "العقد الاجتماعي"؟

02 مارس 2021
+ الخط -

في ظل الحرص الشديد على احترام القواعد الوقائية والإجراءات ذات الطابع الاستثنائي الهادفة للحد من تفاقم وارتفاع مؤشرات تفشي فيروس كورونا التي تعد تهديداً صريحاً لمفهوم "النظام العام الصحي" لصرح المجتمع التونسي، تلبي الحشود نداءات وإملاءات أباطرة وقياصرة النفوذ الحزبي، من مساندة ودفاع لا يمتان إلى العقلنة والتفكير بصلة، جسدتهما مشاهد التجمهر والتظاهر.

كان عنوان "مسيرة الثبات والدفاع عن المؤسسات" شعاراً أطلقه حزب حركة النهضة. تبنته الجموع يوم 27 فبراير/ شباط، حيث حظينا بمعاينة أحد التطبيقات والدلالات الجلية والمستهجنة "لعقيدة الانضباط الحزبي" في سياق اجتماعي وصحي غير مألوف، إذ عهدنها قاعدة سياسية، حزبية بحتة، غير أن السياسي ارتأ في عملية تسخيرها ومن ثم انصهارها واقعياً، دعماً لا متناهياً لسلطان قراراته وحنيناً إلى تجديد النذر مع مناهج الحملات الانتخابية وطقوسها الزاخرة بمرونة هالة الأوهام وفنون إلقاء أحجية الخلاص من ملاذ وإنجاز.

ألم تلجأ الحكومة أحيانا إلى سياسة التشديد والردع لحظة التأكيد على تدهور الوضع الوبائي وأمام هجر الموطن لقواعد البرتوكولات الصحية؟

 

ويتواصل خطاب الاستهجان مع ما نالته البرتوكولات الصحية ومقتضيات الحجر الصحي الموجه من انتهاكات وخروقات فادحة وثّقتها أفعال اللامبالاة وعدم الاكتراث، حيث شملت التجاوزات تدابير منع التنقل بين المدن وحظر مختلف أصناف التجمعات والتظاهرات وما لها من تأثير مباشر على تأزم الوضع الوبائي.

ألا تشكل هذه التعديات مظهراً من مظاهر الزيغ عن مقاصد ميثاق صحي أملته جائحة عالمية؟ أليس في عدم احترام التدابير الصحية والوقائية الضرورية لمجابهة انتشار فيروس كورونا ما يؤسس لبوادر خيانة للجوهر "العقد الاجتماعي"، مفهوم ركن إليه فلاسفة حقبة التنوير ولعل من أهمهم الفيلسوف جان جاك روسو؟

ألا تمثل بذلك الخيانة بعداً من أبعاد معجم الأنانية والانقسام المجتمعي؟ ألا تعد بذلك دعوات الاحتشاد والتجمهر تغليباً واضحاً لغايات حزبية دوغمائية ومقيتة على حساب مصلحة عامة، هدفها حماية الصرح الصحي؟

وسيتعمق هذا الاستنكار من خلال موقف رئيس الحكومة الذي اقتصر على التذكير والإشادة بمكتسبات البلاد التونسية في مجال حرية التعبير والتنظم مع التأكيد على ضرورة ممارستهما في إطار "احترام المسائل الأمنية"، دون التطرق إلى مدى جسامة الإخلالات التي طاولت تدابير الحجر الصحي الجزئي.

لكأن الإشكال أمسى متعلقاً بمسائل حقوقية حارقة لا بظرف وبائي استقراره لا يزال نسبياً يتسم بالغموض. ألم يكن هاجس الحكومة "مجابهة سرعة انتشار فيروس كورونا" على معنى الفصل الأول من الأمر الحكومي عدد 49 لسنة 2021؟

ألم تبلور الحكومة محاولات التكثيف من الحملات التوعية والتحسسية بمدى خطورة هذا الوباء؟ ألم يكن وعي المواطن التونسي هو المستهدف الرئيسي من مختلف الخطابات السياسية بغية ضمان حسن تطبيق الإجراءات الصحية؟

ألم تلجأ الحكومة أحياناً إلى سياسة التشديد والردع لحظة التأكيد على تدهور الوضع الوبائي وأمام هجر الموطن قواعد البرتوكولات الصحية؟ أليس في موقف صناع القرار ما يدفع اليوم المواطن إلى تبرير خرقه ترسانة التدابير الوقائية؟ وبالتالي، ألن ينهار بذلك طابعها الإلزامي؟

كيف لا وقد غيبت الموازنة بين شرنقة التقيدات ومبررات الامتثال لها، كيف لا وقد حظيت الأنصار الحزبية بمعاملة فريدة وتميز إيجابي من تنقل بين الجهات و"حق في التنظم" على حساب آخرين خضعوا، سواء طوعاً أو قسراً، إلى أحكام لوائح وبنود العقد الصحي..

كيف لا وتلك الانتهاكات التي بلورتها مشاهد الاكتظاظ والتزاحم مثلت مجالاً للتنديد والانتقاد الأمر الذي ساهم في بروز العديد من الاحتجاجات المطالبة بالتخلي عن التدابير المكبلة وفسح المجال أمام عودة الحياة إلى سالف رونقها. وبالتالي عن أي نوع من المساواة أمام القانون نتحدث؟

دلالات

DD9C7DB9-511D-46DD-9256-EDAEC04C4139
إسماعيل الهدار

شاعر وكاتب تونسي، باحث في القانون العام بكلية الحقوق في صفاقس.