مؤتمر وطني فلسطيني في لحظة فارقة

13 فبراير 2025
+ الخط -

باختصار، واختصار مؤلم، يواجه الشعب الفلسطيني هجمة هي الأشرس والأخطر على وجوده وقضيته منذ النكبة الأولى، تستهدف تصفية قضيته الوطنية، واقتلاعه من أرضه، بمخطّط مُمنهج، الجديد فيه تطبيقه في العلن، وبثّ مخطّط تنفيذه على الهواء مباشرة وسط استفراد غير مسبوق بالشعب الفلسطيني في غزّة والضفة.

 مخطط تصفية يستند كذلك إلى دعم غير قانوني ولا أخلاقي من أقوى دولة في العالم، لا يفتأ رئيسها عن التعبير عن عزمه طرد الفلسطينيين من غزّة. أما الضفة فيَعِد بالاعتراف الكامل بضمّها، وقال صراحة إنّ ضمها سينجح، وإنّ على العرب أن يحلوا مشكلة إسرائيل باستيعاب الفلسطينيين في الجوار، هي تصفية كاملة إن لم تستدع وحدة فلسطينية الآن في الداخل والشتات والمهاجر كلّها، فمتى يتوحّد الفلسطينيون، وعلى ماذا؟ ولماذا؟

ليست فلسطين أمام "بلفور" جديد فقط، إنما المنطقة برسم سايكس بيكو جديدة أيضًا، ورأس الحربة وركيزة إفشال ذلك المخطّط منوطة أولًا بالفلسطينيين الذين يحتاجون لمواجهته قيادة فلسطينية موحّدة ومشروع وطني لمجابهة صفقة ( ترامب- نتنياهو) ومشاريع التهجير والتطهير العرقي عبر وحدة فلسطينية في الوطن والقرار والمصير، وهو ما يسعى لمناقشته ودق ناقوس الخطر حوله "المؤتمر الوطني الفلسطيني" الذي ينعقد في الدوحة الأسبوع المقبل، والذي يشير بيانه إلى أنه يرمي لمناقشته وحشد النخب والفاعلين السياسيين الفلسطينيين في الداخل والشتات والمهاجر للضغط من أجل وحدة وطنية فلسطينية وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، لتكون البيت الوطني الجامع، والإعداد لمواجهة ما يسمّى "اليوم التالي"، وليكون يومًا تاليًا فلسطينيًّا خالصًا عبر حكومة وحدة وطنية فلسطينية كحلّ عاجل، جنبًا إلى جنب مع إعادة بناء منظمة التحرير واستعادتها وتحريرها.

إذا لم نتوحّد الآن بمواجهة الهجمة الاستعمارية ذات النفس العنصري الاستئصالي، فمتى يجب أن نفعل ذلك؟

وتنطلق أعمال المؤتمر عقب نداء أطلقته مجموعة من النخب والشخصيات الوطنية الفلسطينية والكتّاب والصحافيين والإعلاميين الفلسطينيين منذ شهور بضرورة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية، إذ إنها المظلّة الفلسطينية الوحيدة المُجمع عليها، والقادرة على توحيد الشعب الفلسطيني، واستعادة المشروع الوطني التحرري الذي ينطلق من مسلّمات بديهية: بأننا شعب تحت الاحتلال يناضل من أجل أن يتحرّر من محتله، ويرفض الاندثار، نحن لسنا قضية إنسانية ولم نهجّر أو نُباد جراء كارثة طبيعية، إنما بسبب احتلال استيطاني استعماري يقيم نظام فصل عنصري يرمي لتطهيرنا عرقيًا، ونفينا كسكان أصلانيين.

 إنّ هذا المؤتمر الذي ينطلق ويسعى لتكثيف النقاش في الفضاءات المختلفة حول استثنائية اللحظة يدق جدران الخزان، ويقرع الجرس الوطني لكلّ وطني في الداخل والشتات بأنّ ساعة الوحدة دقت وحانت، وإذا لم نتوحّد الآن بمواجهة الهجمة الاستعمارية ذات النفس العنصري الاستئصالي فمتى يجب أن نفعل ذلك؟ هو بحسب الإعلان الصادر عنه حراك للحوار والضغط والتغيير فلسطينيًّا، فالتغيير، عربيًّا ودوليًّا، يبدأ بتغيير فلسطيني داخلي يستطيع بسهولة إفشال المشاريع التصفوية إذا ما أُسند عربيًّا، ولكي يُسند عربيًّا ودوليًّا يجب أن توجد قيادة فلسطينية موحدة، وهو الموضوع الذي يسعى المؤتمر لبحثه ووضع خريطة طريق للوصول إليه.

إنّ صمود الفلسطينيين اليوم ووحدتهم صمّام أمان لمواجهة ما يسمّى "شرق أوسط جديد" تقول حكومة اليمين المتطرّف في إسرائيل إنها تريد إعادة تشكيله، وإفشال ذلك يكون عبر قيادة فلسطينية موحّدة، مدعومة بموقف عربي رافض لخطة التهجير والتطهير، وإسناد لصمود الفلسطينيين بإدخال البيوت المؤقتة والخيم والطعام والشراب عبر بوابة رفح العربية، وتعليق اتفاقات التطبيع، وقطع الدول المطبّعة علاقاتها مع الاحتلال، وإعلان خطّة عربية ومشروع مارشال عربي لإعمار غزّة من دون انتظار موافقة نتنياهو ولا ترامب، وإعلان صريح عن البدء بتطبيقها.

يا "فلسطينيي العالم اتحدوا"، هذا ليس ترفًا ولا شعارات، إنما ضرورة وطنية ملحة، ومصيرية

هذه الإجراءات ليست لمنع التهجير وتصفية القضية الفلسطينية فقط، وإنما لحماية الدول العربية من الأطماع الإسرائيلية التي تصاعدت بعد التزام العرب بخيار عدم التدخل، وترك غزّة وحيدة بمواجهة إبادة غير مسبوقة، ما جعل من قام بالإبادة يطمع في تلك الدول ويخطّط للاستحواذ على أراض فيها، ولجم هذا الطمع يكون بالتصدي له وليس بمزيد من التراخي أمامه.

وعلى مقربة من انعقاد المؤتمر الوطني في الدوحة، تحضر أسئلة الجدوى، وهي أسئلة محقّة، لماذا نحتاج لهذا المؤتمر ولكلّ هذا الحراك؟، والإجابات مختصرة وواضحة ومحددة:

(1): استثنائية اللحظة وحقيقة أننا أمام ربما نكبة ثانية تستكمل ما فشل عن إنجازه الاحتلال في عامي 1948 و1967.

(2): تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.

(3): مواجهة اليوم التالي للحرب.

(4): أن هذا الحراك في المؤتمر الوطني يبنى على حراكات سابقة شخّصت العلّة المتمثّلة في اختطاف السلطة الفلسطينية لمنظمة التحرير، ويقول المؤتمر بصراحة إنّ منظمة التحرير بحاجة لتحرير وإعادة بناء.

(5): هذا الحراك يقول بكلّ صراحة إنه ليس بديلًا عن منظمة التحرير ولا يطرح نفسه بديلًا، إنما هو حراك للضغط لإصلاح المنظمة وإعادة تشكيلها. وهذا تأكيد مبكّر يقطع الطريق على حملات استهداف للمؤتمر متوقّعة.

(6): خلق وعي عام ورأي عام فلسطيني ضاغط على كلّ القوى والفصائل للوحدة، وإنهاء انقسام غير مبرّر مطلقًا والشعب الفلسطيني يتعرّض للتطهير العرقي وحرب إبادة غير مسبوقة منذ النكبة الأولى، بل منذ الحرب العالمية الثانية لم يتعرّض شعب لما يتعرّض له الشعب الفلسطيني، وربما في التاريخ الحديث كلّه.

هو نداء للوحدة الوطنية، وإصلاح ما أعطبته سنوات أعقبت أوسلو وتيه وطني تسبّب به أوسلو نفسه واستغلّه الاحتلال لاستكمال مشاريع تصفية القضية وتهجير الشعب الفلسطيني، وهذا اليوم يستقوي بأميركا لإتمام نكبة جديدة. فيا "فلسطينيي العالم اتحدوا"، هذا ليس ترفًا ولا شعارات، إنما ضرورة وطنية ملحة، ومصيرية، فنحن في لحظة فارقة كشعب، وكقضية، وكأمة، وكمجموعة بشرية في هذه المنطقة من العالم.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد الأمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.