ليس بلد بأحق بك من بلد خير البلاد ما حملك

01 ديسمبر 2024
+ الخط -

تنبعث هذه المقولة من دواخل رجل حكيم ساهم في تنزيل محاور الرسالة المحمدية وترسيخ فضائل القيم الإنسانية فعلًا وقولًا.

تكتنز هذه المقولة من الراهنية ما يجعلها تستأثر بالاهتمام المستمر وتعبر وبقوة عن خواطر وواقع الكثير من الناس وتدعو إلى التدبر وطرح مجموعة من الأسئلة المفصلية.

قد تعبر المقولة، حقًا، عن صرخة سخط في وجه التهجير القسري أو الدعوة إلى البحث عن رحاب أوسع أو ضمنًا دعوة إلى الكفاح والممانعة ومقاومة الفساد من أجل بناء الوطن الذي نتوق إليه. تمتلك من العمق ما يحيل إلى عدة تأويلات تدع كامل الحرية للقارئ في التأويل والتدبر والإقبال على طرح الأسئلة.

ربما تستهدف المقولة ماهية الوطن وكنه الانتماء وحقيقة تمثله والتفاعل المتبادل بين الوطن والمواطن. حقيقةً، يبقى مصطلح الوطن متحركًا ثقيل الذخيرة عميق المعاني له وقع عجيب وسحر متفرد، يستقر في العقل والوجدان على حد سواء ويحرك الوعي واللاوعي في الإنسان إذ ينهل من الأبعاد النفسية والذهنية والتاريخية والجغرافية والثقافية والاقتصادية ويصهر عناصرها في نسق معرفي متجانس. لذلك، مع حركية المصطلح وتاريخية عناصره تستعصي محاولات التعريف أو الحصر وتتفاعل مع الزمن والأحداث. هناك من يحصر محددات الوطن في الانتماء الجغرافي أو العرقي أو الديني أو القانوني، غير أن مصطلح الوطن يتسع لمحددات أعمق وتصورات أوسع ويتحدى جميع تصورات التقنين والحصر.

عن حركية مصطلح "الوطن"

مما لا مِرية فيه أن الوطن يمثل المأوى والملجأ والمحتضن للذات إذ يتمثل كوعاء احتضان وجداني لوجودها ومخاوفها وطموحاتها.

هل يتحدد إذن بمكان الولادة؟ أو بجغرافية الآباء والأجداد؟ بعبارة أخرى، هل يدع المفهوم حرية الاختيار للذات أم تُسلب ذلك الحق ولا تناقش مشروعيته؟ هل يتغير مفهوم المصطلح حسب تغير الزمن والظرفية أم يبقى قارًا ساكنًا جامدًا لا يطاوله التغيير؟

الوطن حيث انفتاح الحكامة على توق المواطن

في الوطن تظل قيم المساواة والعدل والكرامة هي الساكن المقدس فيما ترقى تجارب التنمية إلى مقام المتحرك عكس ما نجده في بقاع المنطقة العربية، حيث يظل الساكن هو البنيات الفكرية والذهنية وواقع الريع والتحيف فيما يستقر المتحرك في تداول نفس الوجوه والعائلات لمنابع الثروة وتصريف الأعمال مادام القرار السيادي مفتقدًا متمركزًا في الخارج. كيف إذًا للحكامة القائمة أن تنفتح على هموم الناس وتنصهر في محاولة تحقيق طموحاتهم وتحسين نمط العيش القائم؟ يظل الشرخ بين المواطن والحاكم قائمًا عصي التجاوز ما دامت أسس انصهاره غير متوفرة. ويظل بذلك موضوع الشرعية والمشروعية موضع نقاش مؤسس وبنيوي.

في الوطن تظل قيم المساواة والعدل والكرامة هي الساكن المقدس فيما ترقى تجارب التنمية إلى مقام المتحرك

أليس استقرار الوطن في كرامة مواطنيه؟

ربما هناك دعوة بادية إلى الهجرة والبحث عن بلد آخر، أو دعوة ضمنية إلى الجهاد في بناء الوطن المنشود سواء بالانخراط في عمليات البناء إن حضرت الحكامة والإرادة السياسية الصادقة أو المكابدة في مواجهة الفساد والاستبداد من أجل تحرير البلد وبناء الوطن. في جميع التوجهات تبقى الكرامة النواة الصلبة التي تتمحور حولها جميع الجهود والتضحيات والتصورات الحكاماتية.

الانتماء للوطن علاقة تفاعل

تتأسس علاقة المواطن بوطنه على أساس منطق الأخذ والعطاء إذ ينهض المواطن بواجباته المادية والمعنوية مقابل تكفل الدولة بتوفير بيئة كريمة للعيش حيث يسمو التوزيع العادل للثروات، ويحظى الناس بتعليم فعال ورعاية اجتماعية ونظام صحي متين وتتوفر فرص الشغل، وبيئة الاستثمار، ونظام قضائي مستقل، ومؤسسات تشتغل وفق القانون وتضمن استمرارية سيادته.

عزيز أشيبان
عزيز أشيبان
عزيز أشيبان
كاتب مغربي، يعرّف عن نفسه بالقول "نوعية اهتماماتك ومخاوفك تحدّد هويتك".
عزيز أشيبان

مدونات أخرى